ترجمة: عبدالحميد حسين شكري.
تقوم تريليوناتٌ من جسيمات النيوترينو التي توّلدت في مركز الشمس بالتدفق عبر جسدك في كل ثانيةٍ. إلا أنها لا تؤذيك، لأن هذه الجسيمات الأولية الشبحية لا تتفاعل أبداً مع المادة تقريباً. ولكن على الرغم من ذلك، يذكر الفلكيون أن جسيمات النيوترينو شكلت معظم الفلور في الكون، وهو عنصرٌ يُضاف إلى معجون الأسنان والماء لمحاربة التسوس، والذي بقي أصله الكوني لغزاً لفترةٍ طويلةٍ.
شكلت النجوم معظم العناصر الكيميائية بطريقةٍ أو بأخرى. يقع الفلور بين الأوكسجين والنيون في الجدول الدوري بامتلاكه العدد الذري تسعة، إلا أنه أقل ندرةً منهما. حيث تقوم النجوم الكبيرة بصنع كمياتٍ هائلةٍ من الأوكسجين والنيون خلال حياتها ثم تقذفها في الفضاء عندما تنفجر، وهذا سبب شيوع كلاً من العنصرين: إذ يعد الأوكسجين العنصر الثالث الأكثر وفرة في الكون بعد الهيدروجين والهيليوم، ويحتل النيون المرتبة الخامسة أو السادسة. في المقابل، يعد الفلور نادراً جداً لدرجة أنه لا يقع ضمن أعلى عشرين عنصراً.
إلا أن هنالك فلكيان ذهبوا للبحث عنه، وهما كاثرين بيلاتشوسكي من جامعة إنديانا في مدينة بلومنغتون وكاميرون بيس من جامعة جنوب يوتاه في مدينة سيدار سيتي. فقاما بمسح 79 نجماً للبحث عن غاز خطيرٍ يدعى فلوريد الهيدروجين باستخدام منظار قطره 2.1 متر في أعلى قمة كيت في أريزونا، والذي يحتوي على العنصر. يقول بيلاتشوسكي: “شيءٌ فظيعٌ”، فاستنشاق الغاز قد يكون مميتاً. إلا أنه يمتص الأشعة تحت الحمراء وبهذا يترك علامةً على طيف النجم والتي يأمل الفلكيان أن يروها.
لقد اكتشف الباحثان الغاز في 51 نجماً من أهدافهم، وهو حتى الآن أكبر عددٍ من النجوم العادية حيث شُوهد الفلور. وكما يذكر كلاً من بيلاتشوسكي وبيس في إصدار سبتمبر من الدورية الفلكية، أن وفرة الفلور التي قاموا بقياسها عاليةٌ جداً لدرجة أن جسيمات النيوترينو يجب أن تكون قد شكلت الكثير منه خلال انفجارات مستعرٍ أعظم. فعندما ينفجر نجمٌ كبيرٌ فإنه يطلق 1058 نيوترينواً ذات طاقةٍ عاليةٍ جداً لدرجة أنها تزيح برتوناً أو نيوتروناً لخارج نواة النيون في بعض النجوم، لينتج الفلور. واستنتج الفلكيان أن هنالك عملياتٌ أخرى تنتج الفلور أيضاً، ولكنها ليست كافيةً لتفسير وفرةٍ كهذه.
يقول الفلكي هينريك جيونسون من مرصد لند في السويد، والذي لم ينخرط في الدراسة: “إنها حقا خطوة كبير للأمام.” ويقول جونسون أن حجم عينات بيلاتشوسكي وبيس الهائلة تقوي استنتاجاتهم. وهذا ثناءٌ مهمٌ، لأن النتيجة الجديدة تبدو أنها تعارض عمله نفسه، والذي عثر على وفرةٍ أدنى من الفلور في عددٍ أقل من النجوم. هذه الوفرة القليلة تشير إلى احتمالية تشكل كل العناصر داخل النجوم التي لم تنفجر عن طريق التفاعلات النووية التي لا تشمل النيوترينو. وتكون هذه النجوم المعروفة بالنجوم العملاقة المقاربة ساطعةً، وهي نجومٌ متقدمةٌ في العمر وتحرق كلاً من الهيدروجين والهيليوم، ولقد رصدها الفلكيون وهي تقوم بصناعة الفلور. وعندما تموت هذه النجوم، فإنها تقذف طبقاتها الخارجية والفلور المصنوع حديثاً فيها إلى المجرة ككل.
هل كمية الفلور في النجوم ضخمةٌ أم ضئيلةٌ إذاً؟ قد تتوقف الإجابة على من يحدد درجات حرارة النجوم بشكلٍ صحيحٍ. ولأن جزيئات فلوريد الهيدروجين تتحلل عند درجات الحرارة العالية، تظهر أطياف النجوم الأكثر سخونة كميةً أقل من الغاز مما تظهره تلك النجوم الأكثر برودة، حتى وإن احتوت النجوم الأكثر سخونةً على نفس كمية الفلور. ولهذا يجب على الفلكيان أن يعرفا بالضبط مدى سخونة النجم لاستنتاج وفرة الفلور بثقةٍ. وفي هذا الصيف، استخدم جيونسون منظاراً أكبر في قمة كيت والذي يبلغ قطره 4 أمتار لرصد 100 نجمٍ تقريباً، ويأمل أن يقوم بقياسٍ دقيقٍ لدرجات الحرارة ووفرة الهيدروجين والفلور فيها جميعاً.
يعتقد فيرن سميث أن الدراستين تشيران إلى أن كلاً من مصدري الفلور مهمين، وهو فلكيٌ في مرصد الفلك البصري الوطني توكسون أريزونا، والذي لم يكن جزءاً من أيِّ من مجموعتي البحث. إذ يظن أن نيوترينو المستعر الأعظم يشكل ما بين نصف إلى ثلثي فلور الأرض. وفي هذه الحالة، تستطيع أن تشكر الجسيمات التي لا تفعل شيئاً عادةً على عدم حصولك على التسوس قط.
المصدر (sciencemag)
نيوترينو (neutrino)
كاثرين بيلاتشوسكي (Catherine Pilachowski)
كاميرون بيس (Cameron Pace)
قمة كيت (Kitt Peak)
فلوريد الهيدروجين (hydrogen fluoride)
المجلة الفلكية (The Astronomical Journal)
المستعر الأعظم (supernova)
هينريك جونسون (Henrik Jönsson)
مرصد لند (Lund Observatory)
فيرن سميث (Verne Smith)
مرصد الفلك البصري الوطني (National Optical Astronomy Observatory)