الكاتبة: الأستاذة لينة.
سلسلة المقالات هذه مُقتبسةٌ من محاضرةٍ ألقتها الكاتبة بعنوان The Standard Model of Particles Physics في شهر مارس من العام 2015 مـ. ونُشر على شكل سلسلةٍ من ثلاثة أجزاءٍ، وبإمكانكم أن تجدوا المقال الثاني هنا، والثالث هنا.
ملاحظة: إن جميع المصطلحات الأنجليزية مرفقة بنظيرتها العربية في حاشية المقال، كما ستجدون هنالك أيضاً شرحاً للنقاط المُعلمة بعلامات (* □ ◊).
مما يتكون كوننا ؟
لطالما تساءل الإنسان عن المكونات الأساسية لما حوله وقام بوضع عدة افتراضاتٍ لذلك، منها أن المادة تتكون من أربعة عناصر أساسية: الماء والنار والهواء والتراب. والتي ربطها اليونانيون لاحقاُ مع أشكالٍ هندسيةٍ تُعرف الآن بالأشكال الأفلاطونية. ولكن “النظرية الذرية” ظهرت بشكلٍ أوليٍ لدى مدارس فلسفية يونانية أخرى أيضاً، والتي اقترحت أن المادة تتكون من “جسيماتٍ” صغيرةٍ لا يمكن تجزيئها.
قد يبدو للوهلة الأولى أن اليونانيون كانوا بعيدين جداً عن الجواب الصحيح، ولكنهم في الحقيقة كانوا أقرب مما نتخيل. فربطهم الهندسة والتناظرات بالمكونات الأساسية للمادة أمرٌ نفعله اليوم! كما أن نظريتهم الذرية البدائية ساهمت بظهورها بشكلٍ علميٍ مجدداً بالقرن التاسع عشر على يد جون دالتون.
مرت النظرية الذرية عبر التاريخ بالكثير من التعديلات، حيث بدأت باكتشاف الإلكترون على يد تومسون (الذي يعد أول جسيمٍ نطلق عليه اليوم “جسيمٌ أوليٌ”)، إلى تجارب رذفورد و شيدويك التي أدت لاكتشاف النواة ومكوناتها (بروتونات ونيوترونات). ثم طُورّت النظرية الكمية (لشرودنجر وهايزبنبرغ) لاحقاً النظرية الذرية لتفسر الأطياف الذرية وتعطيها شكلها النهائي كما نعرفه اليوم. وتُشكل نظرية يوكاوا بداية فيزياء الجسيمات في ثلاثينات القرن الماضي.
تبع ذلك تفسير القوة النووية التي تربط البروتونات والنيوترونات مع بعضها عن طريق نظرية يوكاوا، والتي وضّحت أن النيوكلونات (البروتونات أو النيوترونات) تتبادل جسيماتٍ تُعرف بـ”ـميزونات باي” أو البايونات وذلك بحسب ما تنص عليه نظرية الحقل الكمومي التي تقول بأن أيّ تفاعلٍ بين جسيمين سيحصل عبر تناقل جسيمٍ افتراضيٍ بينهما. وتتحول البروتونات إلى نيوترونات والعكس باستمرارٍ وكأن النيوكلونات ” تهتز” بين حالتي البروتون والنيوترون (شكل 1).
من طلب هذه؟
بدأت ثورةٌ كبيرةٌ في فيزياء الجسيمات مع تقدم التقنية في الستينات والسبعينات وبناء مسرعات الجسيمات، فكانت هنالك جسيماتٌ جديدةٌ تُرصد أسبوعياً وتدعى بحالات الرنين. حيث تظهر تلك الجسيمات لفترةٍ بالغة الصغر من الزمن (~ 10-21 ) من الثانية، ويتم رصدها كـ”حالة رنينٍ”(*) عند كتلةٍ معينةٍ (شكل 2). ولم يكن لدى أيٍّ من الفيزيائيين فكرةً عن تفسير كل هذه الجسيمات وإن كانت أوليةً أم لا، وما النمط التي يمكننا من تصنيفها.
أدت الضرورة إلى التخلي عن فكرة أن البروتونات والنيوترونات والجسميات المكتشفة حديثاً والشبيهة بهما جسيماتٌ أوليةٌ، وأنها حالةٌ محصورةٌ لجسيماتٍ أوليةٍ. ولعبت التناظرات (**) التي تحققها تلك الجسيمات دوراً أساسياً بإلهام النظريين لإيجاد نموذجٍ رياضيٍ لوضع نظريةٍ تُدعى بنظرية الكوارك والمبنية على ما يُعرف بزمرة SU3 (***).أصبحت الأمور أكثر سوءاً عند اكتشاف عائلةٍ جديدةٍ من تلك الجسيمات، والتي تتميز بأنها أكثر استقراراً بالرغم من أنها ذات كتلةٍ أعلى! واكتشاف شقيق الإلكترون الأكبر والذي يُدعى بالميون. حتى أن أحدهم قال عند اكتشاف هذا الجسيم: “من طلب هذه؟”
حينها كان الفرض يقول بوجود ثلاثة جسيماتٍ أوليةٍ ليس لها حجمٌ أو بنيةٌ، ولها شحنةٌ كسريةٌ دُعت بالكواركات. وتُكوّن تلك الكواركات عند إجتماعها جسيماتٍ أخرى تدعى الهادرونات. ولهذه الهادرونات نوعين فرعيين، باريونات وميزونات. والجدولين التاليين يوضحان الكواركات الثلاثة المفترضة عند وضع النظرية.
م |
الكوارك |
الشحنة e | الكتلة MeV/c2 |
1 |
علوي up |
+2⁄3 |
2.3+0.7 |
2 | سفلي Down | −1⁄3 |
4.8+0.5 |
3 |
غريب Strange |
−1⁄3 |
95±5 |
إن الكواركات محصورةٌ داخل الهادرونات ولا يمكننا عزل كواركٍ بمفرده، حيث أن طاقة الربط بين الكواركات في الهادرونات تزداد كلما حاولنا إبعادهم عن بعضهم. لذلك كانت الطريقة الوحيدة للتأكد من وجودهم هي تجارب التشتت في مسرعات الجسيمات. فمع ازدياد طاقة تشغيل تلك المسرعات، تم اكشاف ثلاثة كواركاتٍ أخرى (الشكل 3).بهذا، تبين أن البروتون يتكون من ثلاثة كواركاتٍ uud (اثنان عُلويان وواحد سُفلي)، بينما يتكوّن النيوترون من ddu (اثنان سُفليان وواحدٌ علويٌ) وما إلى ذلك.
التناظر ونظرية الزمر والتفاعلات الأساسية
يُعد نجاح نظرية الزمرة SU3 بالتبؤ بالكواركات وتأكيدها تجريبياَ أحد نجاحات الرياضيات في مجال فيزياء الجسيمات. حيث تلعب التناظرات أهميةً بالغةً للغاية فيها. حيث استخدم النظريون نظرية الزمر الرياضية لفهم تلك التناظرات (عدم التغير بالنسبة لتحويلاتٍ معينةٍ، كالدوران ونحوه)، وهي نظريةٌ ذات علاقةٍ وطيدةٍ بالتناظرات بالأشكال الهندسية. حيث يربط أو يلصق الرياضيون التناظرات بزمرٍ معينةٍ، كأن تصف التناظرات في الدائرة زمرةً تُعرف بـ U(1) ، وهلم جراً.
إن التناظرات في فيزياء الجسيمات هامةٌ للغاية، فأنت تريد أن تبقى قوانين الفيزياء كما هي لدى أيّ راصدٍ، وهذا ما يٌدعى بتناظر لورنتز، أو بالأحرى بونكاريه. وتنشأ هذه التناظرات من النسبية الخاصة، وتُوصف بزمرٍ خاصةٍ بها تُعرف بزمر (SO(3.1 وزمرة بونكارية.(◊)
إن الوصف الأساسي للطبيعة لا يتوقف على الجسيمات الأولية فحسب، بل على التفاعلات التي تحصل بينهما. ونجد أن الطبيعة تحوي أربعة تفاعلاتٍ أساسيةٍ فلا توجد تفاعلاتٍ غيرها أو تفاعلاتٍ مشتقةٌ منها. تلك التفاعلات هي:ولكنك تريد أيضاً أن يتم حفظ بعض “الأعداد الكمومية” في بعض التفاعلات مثلا تناظر الدوران، أو التناظر بالنسبية للدوران بالنسبة لحقلٍ مغناطيسي، وتوصف تلك التناظرات بزمرة تعرف بـ (SU(2. إن تناظر الإيزوسبين مهمٌ للغاية، فهو يقول لنا أن البروتونات والنيوترونات تتفاعل بشكلٍ متشابهٍ نووياً.
- الجاذبية.
- التفاعل الكهرومغناطيسي.
- التفاعل النووي القوي.
- التفاعل النووي الضعيف.
وللموضوع تتمة …
للإستزادة و القراءة المعمقة:
– Kaku, M. (1993). Quantum field theory (Vol. 378). Oxford: Oxford University Press.
– Langacker, P. (2011). The standard model and beyond. CRC press.
– Perkins, D. H. (1982). Introduction to high energy physics (Vol. 2). Reading, Massachusetts: Addison-Wesley.
– Lichtenberg, D. B., Tassie, L. J., & Keleman, P. J. (1968). Quark-diquark model of baryons and SU (6). Physical Review, 167(5), 1535.
– http://www.quantumdiaries.org/ Amazing Blog about particle physics – Run By particle physics around the world from various labs
– Omnes, R., & Barton, G. (1971). Introduction to particle physics. New York: Wiley-Interscience.
– http://home.web.cern.ch/fr/about/physics/standard-model
المحاضرة:
Images credit: CERN http://home.web.cern.ch/ and Les Paticules Élémentaires- Pour la Science
(*) : حالة الرنين هي جسيمات ذات عمرٍ قصيرٍ جداً والتي تتحلل بمجرد تكونها.
(**): التناظر: سمة بالأشياء أو المعادلات الرياضية، والتي تعني عدم تغيرها عند إجراء تحويلٍ ما.
(***) زمرة SU3 أحد الزمر التي تمثل التناظر حول الدوران ولكن في فضاء الشحنة اللونية.
(◊) تحويلات لورنتز و بونكاريه: التحويلات التي تتنبأ بها النظرية النسبية.
(□) ينص مبدأ عدم التأكد للطاقة و الزمن على أنه من غير الممكن قياس الطاقة بدقةٍ في فترةٍ قصيرةٍ من الزمن.
الأشكال الأفلاطونية: Platonic shapes
يوكاوا: Yukawa
ميزونات باي: pions
الرنين: resonances
حالةٌ محصورةٌ لجسيمات أولية: Bound states
الكوارك: Quarks
زمرة بونكارية: Poincarè group.
نظرية الزمر الرياضية: Group theory
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021