ترجمة: نورة الدراك
قد يتساءل البعض عن أهمية وفائدة النظرية النسبية لآينشتاين فعلياً، فليس من الغريب أن نظن بأنها نظرية رياضية مجردة ليس لها أي عواقب في الحياة اليومية. ولكن في الواقع، هذا الظن بعيد جداً عن الحقيقة. فخذ بالحسبان ركوبك للطائرة، يقوم الكابتن وطاقم الطيران بقيادة الطائرة لتصل إلى مكانك المقصود باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي، أو ما يعرف بـ GPS. وتُصنع اليوم العديد من السيارات مع نظام ملاحةٍ مدمجٍ يحتوي على مستقبل GPS وخرائط إلكترونية، وهو مدمج أيضاً في العديد من الهواتف الذكية الحديثة.
ما هو نظام تحديد المواقع العالمي؟ وما علاقته بالنسبية؟
تم تصنيع وتطوير نظام تحديد المواقع العالمي بواسطة وزارة الدفاع في الولايات المتحدة من أجل توفير نظام ملاحة يعتمد على الأقمار الصناعية للجيش الأمريكي. بعد ذلك، تمت مشاركته مع وزارة المواصلات فأصبح متاحاً للاستخدام المدني والعسكري.
يتكون نظام تحديد المواقع العالمي اليوم من شبكةٍ مكوّنةٍ من 24 قمراً صناعياً يدورون في مداراتٍ مرتفعةٍ حول الأرض. كل قمرٍ صناعيٍ منها يدور على ارتفاع 20,000 كيلو متراً تقريباً من سطح الأرض، وسرعة دورانه حوالي 14,000 كيلو متراً في الساعة (تكمل هذه الأقمار دورةً كاملةً حول الأرض كل 12 ساعةً تقريباً، وهذا بخلاف الاعتقاد الشائع أن أقمار الـGPS تتبع مداراتٍ متزامنةٍ مع حركة دوران الأرض حول نفسها). وقد تم توزيع مدارات أقمار الـ GPS بحيث يكون هنالك على الأقل 4 أقمارٍ ظاهرةٍ “يتم رؤويتها” من على أي نقطةٍ على الأرض في أي وقتٍ كان (أقصى عدد يمكن رؤيته هو 12 قمراً صناعياً). ويحمل كلٌ من هؤلاء الأقمار ساعةً ذريةً تتذبذب بدقةٍ تصل إلى 1 نانو ثانية (1 من بليون من الثانية).
ويقوم مستقبل الـ GPS في الطائرات بتحديد المواقع عن طريق مقارنة الإشارات الزمنية المرسلة من أقمار GPS الصناعية (غالباً من 6 إلى 12 قمر صناعي) واتباع مبدأ تقاطع الدوائر بناءً على معرفة موقع كلٍ من هذه الأقمار (بعبارةٍ أخرى، يرسل كل قمر صناعي موقعه + الوقت عندما كان في هذا الموقع). ويعمل هذا النظام بدقة عالية: فبإمكان مستقبل الـ GPS المحمول أن يحدد موقعك على سطح الأرض بدقة تتراوح بين 5 إلى 10 أمتار من الموقع الأصلي خلال ثواني. وبإمكان مستقبل GPS في السيارات أن يعطي قراءات صحيحة للموقع والسرعة والاتجاه لحظياً.
تتطلب هذه الدقة في تحديد المواقع أن يكون توقيت الساعات الموجودة على متن أقمار الـGPS معروفاً إلى دقة تتراوح بين 20 و 30 نانو ثانية. لذلك بما أن هذه الأقمار في حركة مستمرة بالنسبة إلى مراقب في الأرض، لابد أن تؤخذ تأثيرات النسبية الخاصة والعامة في عين الاعتبار حتى يتم معرفة التوقيت الصحيح بالدقة المرغوبة.
بما أن المراقب على سطح الأرض يرى أن هذه الأقمار الصناعية في حركةٍ مستمرةٍ بالنسبة له، فإنه بالاستناد إلى النسبية الخاصة، والتي تقترح بأن الزمن يتباطأ لدى الأجسام المتحركة بالنسبة إلى المراقب، نستطيع أن نتنبأ بأن الساعات الذرية التي على متن أقمار الـ GPS المتحركة تتذبذب بشكل أبطأ من الساعات الذرية الثابتة الموجودة على سطح الأرض. وهذا في الحقيقة ما يحدث، فهي تتأخر حوالي 7 مايكرو ثانية في اليوم.
بالإضافة إلى ذلك، نعلم أن هذه الأقمار في مدارات مرتفعة عن سطح الأرض، حيث يقل انحناء الزمان-المكان الناتج عن كتلة الأرض. بعبارةٍ أخرى، يقل تأثير الجاذبية الأرضية. وتتنبأ النسبية العامة أن الساعات الأقرب من مصدر الجاذبية ستكون أبطأ من الساعات الأبعد عنه. لذلك تواجه الساعات التي على متن أقمار الـ GPS هذه الظاهرة، فهي فعلاً تتذبذب بشكلٍ أسرع من الساعات المماثلة لها على سطح الأرض، لأنها على ارتفاع 20,000 كيلو متر. وبعد إجراء الحسابات باستخدام النسبية العامة، نستطيع التنبؤ بأن مقدار الزيادة بسبب تسارع الزمن في تلك الساعات سيساوي 45 ميكرو ثانية زائدة في اليوم.
عندما نأخذ كلاً التأثيرين بعين الاعتبار، وهما أن ساعات الـGPS ستدق 45 ميكرو ثانية زائدةً في اليوم، وفي الوقت ذاته ستدق 7 ميكرو ثانية أقل في اليوم، نستنتج بأن المحصلة النهائية هي أن تلك الساعات ستدق 38 مايكرو ثانية زائدة في اليوم.
قد تبدو هذه الزيادة ضئيلةً جداً، ولكن دقة عمل نظام الـGPS تتطلب أن يكون توقيت الساعات على متن أقماره مطابقاً لمثيلاتها على الأرض، بدقةٍ تتراوح ما بين 20 و 30 نانو ثانية، وفرق الزمن الذي يحدث بسبب هذا التأثير يساوي 38 مايكرو ثانية (أي 38,000 نانو ثانية). لو لم تؤخذ هذه التغيرات بعين الاعتبار، سيكون تحديد الموقع خاطئاً بعد دقيقتين فقط، وستتراكم الأخطاء في تحديد الموقع إلى أن تصل إلى حوالي 10 كيلو متر عن الموقع الأساسي لكل يوم! وسيصبح هذا النظام عديم الفائدة في وقت وجيز. يشبه تراكم هذه الأخطاء أن يتم تحديد موقعك أمام منزلك في مدينة كولومبوس في ولاية أوهايو يوماً ما، ثم بعد أسبوع يتم حساب وتحديد موقعك على أنه على ارتفاع 5000 متر في الهواء في مدينة ديترويت.
وقد أخذ المهندسون الذين صمموا نظام تحديد المواقع العالمي هذه التأثيرات النسبية بعين الاعتبار. فمن أجل مواجهة تأثير النسبية العامة عندما تكون أقمار الـGPS في مداراتها، يقوم المهندسون بإبطاء تذبذب الساعات الذرية التي على متنها قبل إطلاقها لأنها ستتذبذب بشكل أسرع عندما تصل إلى مداراتها. فيكون مقدار الإبطاء مماثلا لمقدار الزيادة. وينتج عن ذلك تذبذب الساعات بشكل صحيح بالمقارنة مع الساعات الذرية الموجودة في محطات الـGPS على الأرض. بالإضافة على ذلك، فإن كل مستقبل GPS يحمل بداخله مايكرو كمبيوتر يقوم بالحسابات النسبية الضرورية من أجل تحديد موقع المستخدم.
النسبية ليست مجرد نظرية رياضية مجردة: ففهمها أمر في غاية الأهمية من أجل أن يعمل نظام تحديد المواقع العالمي بطريقة صحيحة!
*التثليث المساحي: هي طريقة لتحديد المواقع النسبية للأجسام بالنسبة لبعضها البعض باستخدام هندسة المثلثات على شكل مشابه لعملية التثليث. على خلاف عملية التثليلث والتي تستخدم قياسات الزوايا (بالإضافة إلى مسافة واحدة على الأقل) لحساب موقع الجسم، فإن عملية التثليث المساحي تستخدم المواقع المعروفة لنقطتين أو أكثر والمسافة المقاسة بين الجسم والنقطة المرجع. من أجل تحديد الموقع النسبي لأي نقطة في المستوي، نحتاج على الأقل إلى ثلاث نقاط مرجعية بشكل عام. (ويكيبيديا)
المصدر:
يعني النسبية العامة اثرها تسريع البعيد عن كتلة الأرض والانحناء الزمكاني، والخاصة أثرها التبطيئ بسبب السرعة؟
مكتوب أن ساعات الأقمار تواجه… لأنها عاي إرتفاع 20.000 كيلو متر!!!
يعني النسبية العامة اثرها تسريع البعيد عن كتلة الأرض والانحناء الزمكاني، والخاصة أثرها التبطيئ بسبب السرعة؟
مكتوب أن ساعات الأقمار تواجه… لأنها علي إرتفاع 20.000 كيلو متر!!!