معاذ الدهيشي
يخطئ الكثير منا في الاعتقاد أن العلاقة بين الذكاء وبين النجاح والتفوق في الحياة هي علاقة خطية مباشرة: أي يظنون أنه كلما زاد ذكاء الشخص سيكون أنجح في الحياة. الحقيقة كما يتبين ليست كذلك.
دعوني أذكر لكم قصة أحد أكبر الدراسات الاجتماعية في التاريخ:
قام عالم أمريكي اسمه “لويس تيرمان” في بدايات القرن الماضي وفي عام 1921تحديداً بإعطاء أكثر من 168,000 طالب مدرسة من مختلف مناطق ولاية كاليفورنيا التي تعتبر أكثر ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية اكتظاظاً بالسكان، واصطفى من بينهم الأطفال الذي وصلوا إلى مستوى العبقرية بحسب تصنيفهم آنذاك (درجتهم في اختبار الذكاء IQ كانت فوق 135) وكان عددهم 1528 طفل من بين مئات الآلاف بمتوسط IQ يتعدى 150 مشكّلين نخبة الأطفال النوابغ في الولاية !
كان الهدف من الدراسة هو دحض الاعتقاد السائد بأن الأطفال العباقرة بهم علل في الشخصية ومنعزلون اجتماعياً، خاصة وأن تيرمان القائم بالدراسة من المؤمنين بمبدأ eugenics الذي يدعو إلى ضرورة سنّ قوانين بتزويج الأفضل جينياً -ممن يتمتعون بالذكاء والجمال مثلاً- ونشر جيناتهم ومنع الذين يملكون جينات غير جيدة أو مناسبة من التكاثر. كان تيرمان يرى الأولاد العباقرة هم الأرقى جينياً وبالتالي ظن أنهم حين يكبرون سيصبوحوا بلا شك قادة ونخبة مجتمعاتهم. حين قام تيرمان بفحص هؤلاء الطلاب المختارين وجد أنهم لا يعانون من مشاكل صحية أكثر من أقرانهم -ما عدا زيادة طفيفة في معدل المصابين بقصر النظر- ولم يكونوا يواجهون مشاكل اجتماعية أكثر من أقرانهم وأيضاً كانوا في المتوسط أطول جسدياً من الطلاب الآخرين.
لاحقاً قام تيرمان وفريقه بمتابعة هؤلاء الألف وخمسمائة طالب وطالبة مرتين في كل عقد من السنين حتى وفاته عام 1956، واستمرت الدراسة ولم تنقطع حيث قام الفريق البحثي بمتابعة هذه العينة حتى عام 1986 مما يجعل هذه الدراسة أطول دراسة اجتماعية في التاريخ وربما أطول دراسة علمية على الإطلاق، وقد كتب حول نتائجها أكثر من ١٠٠ بحث علمي والعشرات من الكتب !
الآن، وبعد أن تابعهم تيرمان لمدة خمسة وثلاثين عاماً وبعده تابعهم باحثون ثلاثين عاماً إضافياً؛ هل أصبحوا نخبة البالغين بعد أن كبروا؟
حقق قرابة السبعون – فقط – من هؤلاء الأطفال إنجازات مميزة وأصبحوا علماء وأدباء مشاهير وتم تكريم بعضهم محلياً، وقد أسهب تيرمان في مديحهم وتلميع إنجازاتهم. لكن بما أنه ادعى اختيار نخبة النخبة على مستوى الولاية الأكبر في البلد، هل مستوى الإنجازات يوازي هذا المستوى من الانتقاء؟ هل أصبحوا الأفضل في الولاية وهم كبار؟ في الحقيقة، لا ..
الغالبية من هؤلاء الأطفال أصبحوا غير مميزين بعد أن كبروا، والعديد منهم يعملون في وظائف عادية كمندوبي مبيعات أو فنيين. لا أحد تقريباً من هؤلاء “النخبة” حقق إنجازاً عالمياً فريداً ولم يحز أي واحد منهم على جائزة نوبل بينما مجموعة ممن تم تصفيتهم -بسبب أن لديهم IQ أقل من 135- حازوا على جوائز نوبل. هذا دفع الكثير من الباحثين الذي درسوا هذه التجربة بعمق إلى القول بأن هناك عوامل أهم من مستوى الذكاء والتفوق في الطفولة والتي تحكم النجاح والتميز في المستقبل. من ضمن هذه العوامل الصفات الشخصية – مثل الإصرار والقتالية – والتربية والتحفيز من قبل الوالدين، وكذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي عاش فيها الطفل. الموضوع أعقد بكثير مما كان يتصوره تيرمان.
التجربة أصبحت تسمى تجربة التيرمايتس (الأرضات) Termites Study نسبة إلى اسم تيرمان، ولا زال العلماء يتابعون من تبقى من “الأرضات” ويتناقشون في أبعاد الدراسة الأطول من نوعها، وبذلك تعتبر أبرز دراسة حول الذكاء وعلاقته بالنجاح.
مقال رائع.لكن ماالسبب في تسميتها ب Termites study
نسبة لأسم العالم اللي جاب فكرة الدراسه هاذي
Hatem Zidi
ماكنت اعرف عن الدراسه هذه للاسف وكنت بشوف ان بين الذكاء والنجاح علاقه خطيه بس تبين ليا العكس مو كل ذكي ناجح وما نحكم على معدل الدراسه وان في اشياء اهم من كون الانسان ذكي ليحافظ على المستوى الي وصل له . تركيزه وعلاقته الاجتماعيه والمجمتع المحيط ياثر المستوى المادي بياثر كمان ممكن لما عملو الدراسه هذه كان اهتمو فيهم وبذكائهم كان صارو احسن ووصلوا لمستوى اعلى.
شكرا لكم جزيل الشكر على جهودكم متميزين دايما.
ممتاز