ترجمة وتصميم الصورة: نورة الدراك
مراجعة: فارس بوخمسين
إن جميع الكائنات المتعددة الخلايا يعود أصلها إلى كائنات وحيدة الخلية. ولذا، فإن القفزة من وحدانية الخلية إلى تعددها ممكنٌ فقط إذا تعاونت الخلايا المستقلة الأصلية مع بعضها. ولهذا فإن الخلايا الغشاشة (كما تسمى) التي تستغل تعاون بقية الخلايا تقف عائقاً رئيسياً. ولقد شاهد مجموعة من الباحثين في معهد ماكس بلانك للأحياء التطورية في بلون بألمانيا، بالتعاون مع باحثين من الولايات المتحدة ونيوزلندا، كائناتٍ حيةٍ مجهريةٍ تتطور من كونها كائناتٍ وحيدة الخلية وفرديةٍ إلى كائناتٍ متعددة الخلايا قادرةٍ على التكاثر مباشرةً أمام أعينهم.
وكانت الخلايا الوليدة مكونةً من نسيجٍ خلويٍ واحدٍ مخصصٍ للحصول على الأوكسجين، ولكن هذا النسيج يوّلد خلاياً تعمل كبذورٍ للأجيال المستقبلية، أي الدور التناسلي من العمل. ومما يثير الاهتمام، أن الخلايا التي عملت كخلايا تناسلية تنحدر من الخلايا الغشاشة، التي تم ترويض أثرها التدميري عبر دمجها في دورة حياة الخلايا مما أتاح للخلايا القدرة على التكاثر. وتبين أن دورة الحياة هي هدية عظيمة للتطور. حيث أن التطور عمل على انشاء برنامج تطوري للخلايا لتندمج معاً إلى كائن واحد، بدلاً من أن يعمل مباشرةَ على الخلايا الفردية. وعندما حدث هذا بدأت مجموعات الخلايا بالازدهار، متضمناً الخلايا الغشاشة، التي أصبحت تعمل لخير الكل.
تعيش بكتيريا سودوموناس فلوروسنس عادةً كخلايا مستقلة بذاتها، ولكنها أحياناً تواجه بعض الطفرات الجينية التي تمكن الخلايا من إنتاج مادة لاصقة صمغية تجعل البكتيريا تلتصق ببعضها حتى بعد الانقسام الخلوي. وتحت الظروف البيئية المناسبة، يمكن أن يتم تفضيل التجمعات الخلوية بوسطة الانتخاب الطبيعي، بالرغم من التكلفة على الخلايا الفردية لإنتاج الصمغ. فعندما تنمو بكتيريا سودوموناس فلوروسنس في أنبوب اختبار غير مخضوض، تزدهر هذه المجموعات الخلوية الملتصقة ببعضها لتكوّن غشاءً على سطح أنبوب الاختبار. فيجعها ذلك عرضة أكثر للأوكسجين، بينما لا يتوفر ذلك في دخل السائل.
عندما نأخذ في الحسبان تكلفة تصنيع المادة اللاصقة والفائدة التي تحصل عليها هذه المجموعات، فمن المتوقع أن يقوم الانتخاب الطبيعي بانتخاب الأنواع التي لا تصنع المادة اللاصقة عالي التكلفة، ولكنها تستغل غشاء البكتيريا المتلاصقة لتدعم نموها السريع بالذات. أٌطلق على هذا النوع من المجموعات اسم “البكتيريا الغشاشة”، لأنها تستغل ما تصنعه البكتيريا من حولها في صالحها دون أن تعطي شيئاً في المقابل. إن المجموعات الغشاشة نمت في تجربة الباحثين، وقد أدت إلى انهيار الغشاء. حيث أن الغشاء سقط عندما ازدهرت المجموعات الغشاشة، فهم يحصلون على الكثير من الأوكسجين ولكنهم لا يساهمون بالصمغ لحماية الغشاء من التفكك، وعندها ينهار الغشاء ويسقط إلى قاع الأنبوب حيث لا يوجد الأوكسجين.
ويقول بول رايني، قائد هذه الدراسة في معهد نيوزيلندا للدراسات المتقدمة و معهد ماكس بلانك للأحياء التطورية، مفسراً: “إن المجموعات البسيطة المتعاونة من الخلايا -مثل الطبقة الغشائية التي تهمنا- قد تكون أصل و بداية الحياة المتعددة الخلايا. ولكن ما إن يبدأ هذه الغشاء في التكوّن، تسقط إلى قاع الأنبوب. فنفس العملية التي قد تضمن نجاحها -الانتخاب الطبيعي- هو الذي يضمن نهايتها.” ولكن المشكلة لهذه الخلايا هو أن عليها أن تجد طريقة ما للتكاثر بمجرد وجودها، وإلا لن يكون لها أي أثر تطوري.
التفكير في هذه المشكلة ساعد رايني في التوصل إلى حل ذكي. ماذا لو كانت هذه البكتيريا الغشاشة تمثّل بذوراً (خلايا تكاثرية) للجيل القادم من المجموعات المكوّنة للطبقات؟ فبينما تدمر البكتيريا الغشاشة الغشاء، ماذا عن احتمالية أن تكون قادرة على انقاذها؟ يقول رايني: “إنها مجرد وجهة نظر”. إن الفكرة بسيطة بشكل جميل، ولكنها منافية للبديهية. ولكن على أية حال، فإن هذه الفكرة قد تعرض حلولاً ممكنة لمشاكل عميقة أخرى مثل أصل التكاثر، والفرق بين الخلايا الجسمية والتكاثرية.
وعندها أراد بول رايني أن يرى إذا كان من الممكن أن تصبح هذه الأغشية أقوى لتبقى بدلا من أن تنهار عندما يزداد عدد الخلايا الغشاشة. ولذا قام العلماء في تجربتهم بالسماح للمجموعات المكونة للأغشية بالنمو في حالتين مختلفتين:
الحالة الأولى: أزيلت البكتيريا الغشاشة و استمرت البكتيريا المكونة للغشاء في التكاثر عن طريق الانقسام.
الحالة الثانية: أبقيت البكتيريا الغشاشة و صارت مصدر و منشأ للجيل الجديد من البكتيريا المتحوّرة المصنّعة للمادة اللاصقة.
في كلا الحالتين، كانت النتيجة هي وجود بكتيريا سودوموناس فلوروسنس مكوّنة لغشاء صامد. ومن المثير للاهتمام أن مجموعات البكتيريا المكونة للطبقة الغشائية أصبحت تتعاون مع بعضها البعض من أجل الفائدة العامة.
فيقول رايني: “إن الفائدة الشخصية “الأنانية” في هذه البكتيريا المكونة للغشاء بدأت تقل شيئا فشيئا بفعل الانتخاب الطبيعي، فالخلايا المستقلة أصبحت تعمل من أجل المصلحة العامة لجميع الخلايا المكونة لهذا الغشاء وليس لمصلحتها الشخصية. فالطبقة الغشائية الناتجة عندئذ تُعد شيئاً أكبر من مجرد تجمع خلوي، فهي الآن أصبحت كيان حيوي -كائن متعدد الخلايا- و الذي لا يمكن تفسير ملاءمته للبيئة عن طريق معرفة ملاءمة خلاياه المستقلة، بل بملائمة مجموعة الخلايا كلها مع بعض.”
Sciencedaily (المصدرالأصلي)
Youtube (المصدر الثاني)
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021