بقلم: معاذ الدهيشي
لا يمكن أن تقارن أحدث أجهزة الملاحة الجغرافية (GPS) مع دماغ النحل المجهري الذي لا يتعدى حجمه حجم البذرة ! بهذا الدماغ الضئيل -حجماً- يمكن للنحلة تمييز الروائح والطعوم وأنماط الزهور حولها وأيضاً يمكنها تحديد أقصر خط رحلة من خليتها إلى مواقع الزهور المحملة بالرحيق وحبوب اللقاح بل وتعديل مسار الرحلة إن اكتشفت أزهاراً ذات رحيق أوفر!
ما أثار دهشة العلماء حيال النحل هو تفاوت ‘الذكاء’ الواضح بينها، والذي يبدو جلياً في سرعة تعلمها وإدراكها لما حولها، على الرغم من تواجدها لملايين السنين. حتى تفهم ما المقصود، دعني أشرح لك الصورة بشكل أكبر. نسبة لنظرية التطور بالانتخاب الطبيعي فإن الكائن الأنجح -بسبب صفة معينة فيه- تحصل له فرص أكبر للتكاثر ونشر جيناته في الأجيال التالية من نوعه وبالتالي انتشارها وهيمنتها على الأجيال اللاحقة إلى درجة أن بعض الجينات تصل إلى كل فرد من النوع بعد مرور آلاف الأجيال. فلماذا ذكاء بعض أفراد النحل لم يكفل له النجاح “التكاثري” بعد هذه المدة الطويلة؟ أو بمعنى آخر، ما الميزة التطورية ل’غباء’ النحل؟
عند إطلاق جماعة من النحل في بيئة جديدة فإن بعض الأفراد -الذين يتفوقون ذكاءاً- يتعرفون على المكان بسرعة مدهشة ويتعلمون الطريق الأقضل بين الزهور بعد محاولات بسيطة، بينما أفراد آخرون -أقل ذكاءاً أو ‘أغبى’ إن صحت العبارة- لم يتمكنوا أصلاً من تحديد مسار صحيح لأي رحلة بين الزهور وأصبحوا يتخبطون بينها ثم يعودون إلى الخلية بعد تجميع عشوائي للرحيق ثم ينسون الطريق الأول فيتخذون طريقاً جديداً، وهكذا دواليك. لماذا هذا الفرق؟
اتضح بعد دراسة هذه الحشرات اللطيفة لسنين أن النحل ‘الأغبى’ قد يتفوق على أذكى الأفراد في الخلية وذلك بإيجاد كمية أوفر من الرحيق في زهور لم تستكشف بعد وصل إليها نتيجة لتخبطه العشوائي، بينما النحل “الذكي” فعالق جيئةً وذهاباً في الزهور التي اكتشفها آخر مرة والتي ربما لا تكون الأوفر رحيقاً !
من كان يتوقّع أن للغباء فائدة وميزة في سباق الحياة المستمر والشديد!؟
سبحان الله