كيف يمكن للتوتر أن يسد شرايينك ؟

*ترجمة:  فارس بوخمسين


يوجد هناك سبب طبي وراء انتشار المقولة السائدة “هدأ أعصابك قبل أن تسبب لنفسك نوبة قلبية”. فالتوتر النفسي المزمن الذي قد تسببه الوظيفة، أو المال، أو المشاكل في العلاقات الشخصية أصبح متهماً في التسبب بزيادة خطورة الإصابة بالنوبات القلبية. وتمكن العلماء بعد دراستهم لمقيمين طبيين ومجموعة من القوارض التي أُخضِعت للإِستفزاز من اقتراح شرح لهذه الظاهرة، فالتوتر الدائم لفترات الطويلة قد يعرض الجهاز الدوري للخطر على المستوى الفسيولوجي. ومحور هذا الإقتراح هو الخلايا المناعية التي تدور في الدم.

ويقول الطبيب وباحث تصلب الشرايين ألآن تول من جامعة كلومبيا الذي لم يكن جزءاً من الدراسة: “هذه نتائج مدهشة. إن مبدأ علاقة التوتر النفسي المزمن بزيادة معدلات الإصابة بأمراض القلب والشرايين في البشر معروف منذ زمن، ولكننا لم نكن نعرف الميكانيكية وراء ذلك.”

وأوضحت الدراسات الإحصائية أن الناس اللذين يواجهون الكثير من المقلقات مثل النجاة من كارثة طبيعية أو العمل لساعات طويلة هم معرضين أكثر للإصابة بمرض تصلب الشرايين، وهو تكتل لويحات من الدهون داخل الأوعية الدموية. وبالإضافة إلى الدهون والكلوسترول، فإن اللويحات تحتوي على خلايا مناعية تسمى الوحيدات والعدلات (Monocytes & Neutrophils)، التي تسبب الإلتهاب في جدران الأوعية الدموية. وعند انكسار اللويحات من جدار الأوعية الدموية حيث يتواجدون، فإنهم يُشكلون تخثرات للدم التي قد تؤدي إلى انسدادات شديدة للشرايين، مما يسبب سكتات دماغية أو نوبات قلبية.

وعند دراسة تأثير المناوبات المُوترة على المقيمين الطبيين في وحدة العناية الصحية المركزة، وجد العالم الإحيائي ماتثياس نيهريندورف من جامعة هارفارد الصحية ببوستطن أن عينات الدم المأخوذة من الأطباء المتوترين جداً تحتوي على معدلات عالية جداً من خلايا الوحيدات والعدلات المناعية. ولمعرفة إذا كانت هذه خلايا الدم البيضاء هذه هي الرابط المفقود في السلسلة بين التوتر وتصلب الشرايين قام العلماء بتجربة الفرضية على الفئران.


فقام فريق نيهريندورف بتعريض الفئران لستة أسابيع من المواقف المُوترة، من ضمنها إمالة أقفاصها، تغيير الإضاءة بسرعة، ونقل الفئران من العزلة إلى الأماكن المزدحمة بانتظام. وبمقارنة تحليلات عينات الدم وجدوا أن الفئران المتوترة كانت تمر بمعدلات مرتفعة من خلايا الوحيدات والعدلات مثل نظرائهم الأطباء المتوترين.

ثم ركز العلماء جهودهم لمعرفة السبب الكامن وراء ارتفاع الخلايا المناعية في الدم. فهم يعرفون بالفعل سابقاً أن التوتر النفسي المزمن يؤدي إلى إفراز هرمون النور أدرينالين وزيادة تركيزه في الدم. ولكن نيهريندورف اكتشف حديثاً أن النور أدرينالين يقوم بالإرتباط بمستقبلات خلوية تسمى بيتا-3 التي تتواجد على الخلايا الجذعية في نخاع العظم. وبدورها، فإن البيئة الكيميائية في نخاع العظم تتغير ليتم انتاج خلايا مناعية أكثر من الخلايا الجذعية.

وقال نيهريندورف: “إنه من المنطقي جداً أن التوتر يقوم بايقاظ هذه الخلايا المناعية، لأن زيادة الإنتاج للخلايا المناعية يجهزك للخطر مثل ما يحدث في حالة الهرب، حيث من الممكن أن تتعرض للإصابة. ولكن التوتر المزمن هو قصة مختلفة بالكامل، فلا يوجد هناك أي إصابة أو جرح أو عدوى لتُشفى.

وقد أشار نيهريندورف في مقالته المنشورة بمجلة Nature للطب أن الفئران التي تعيش بتوتر مزمن تمتلك لويحات تصلبية تشابه اللويحات التي تعرف باحتمالية تمزعها وتسببها بالنوبة القلبية والسكتات الدماغية. وعندما سد العلماء مستقبلات بيتا-3 وجدوا أن الفئران المتوترة لم تقل فيها عدد اللويحات فقط، بل وقلت عدد الخلايا المناعية النشطة في اللويحات، مما يحدد بيتا-3 وبوضوح كالعامل الرابط بين التوتر وتصلب الشرايين.

واقترح العالم البيولوجي لين هيدريك من مؤسسة لا جولا للحساسية والمناعة في سان دياقو، كالفيرونيا أن هذا الإكتشاف قد يقود إلى استخدام أدوية جدبدة للمساعدة في منع أمراض الأوعية الدموية، وأضاف: “أعتقد أن هذا يعطينا إشارة مباشرة إلى كون مستقبلات بيتا-3 هي منظم أساسي لردة فعل نخاع العظم للتوتر، وإذا استطعنا أن نتطور دواءً يستهدف هذه المستقبلات بالتحديد فإن ذلك سيكون من المفيد سريرياً.

وفي الوقت الحالي، يفيد هذا الإكتشاف الجديد أن بإمكان الأطباء مسح المرضى لمعرفة خطر الإصابة بأمراض التصلب الشرايين، والنوبات القلبية، والسكتات الدماغية. حيث يقول تال: ” إن بإمكان الأطباء قياس أعداد خلايا الدم البيضاء في الدم بدل السؤال عن مستويات التوتر”.

Sciencemag (المصدر الأصلي)

Nature

 

Comments are closed.