ترجمة: آلاء السهلي.
سمحت تقنية علم الوراثة الضوئية للعلماء بالتحكم بوظائف الدماغ عن طريق تعريض الخلايا العصبية للضوء، وتعتمد هذه التقنية على البروتينات الحساسة للضوء داخل الخلايا و التي تمتلك القدرة على تحفيز أو تثبيط الإشارات العصبية، وتتطلب هذه التقنية زراعة مصدرٍ ضوئيٍ حتى يصل إلى الخلايا المستهدفة بدقةٍ.
و قد قام المهندسون في جامعة “إم أي تي”بتطوير أول جزيءٍ حساسٍ للضوء، والذي يُوقف الإشارات العصبية بلا أيّ تدخلٍ جراحيٍ. ويُتم ذلك باستخدام مصدرٍ ضوئيٍ خارج الجمجمة، مما يسمح بإجراء دراسات طويلة المدى من دون أيّ تدخلٍ جراحيٍ وزراعة مصدرٍ ضوئيٍ داخل الدماغ. هذا البروتين المدعو بـ”جاوْز” يسمح بالتأثير على مساحةٍ أكبر من النسيج العصبي في فترةٍ زمنيةٍ واحدةٍ.
من المتوقع أن يسمح هذا الاكتشاف بإستخدام تقنية الوراثة الضوئية على الإنسان لعلاج الصرع و غيره من الإضطرابات العصبية. ولكن وكما أفاد الباحثون هذا يستلزم الاكتشاف مزيداً من التجارب والتطوير بقيادة الأستاذ المساعد في الهندسة الحيوية و المخ و الإدراك إد بويدين. وقام الباحثون بوصف البروتين في مجلة نايتشير مثودز في التاسع و العشرين من الشهر الماضي.
أصبحت تقنية الوراثة الضوئية والتي تم تطويرها على مدى الخمس عشرة سنة وسيلةً عمليةً شائعةً في المعامل لتحفيز/تثبيط أنواعٍ معينةٍ من الخلايا العصبية، مما يمكن العلماء من معرفة المزيد عن وظائفها.
وأضاف الباحثون أنه من المهم أن تكون الخلايا العصبية معدلةً وراثياً حتى تقوم بإنتاج بروتينات حساسة للضوء تدعى ـ أوبسينز ـ (التي تعتبر قنوات او مضخات مؤثرة على النشاط الكهربائي من خلال تحكمها بتدفق الأيونات داخل و خارج الخلية العصبية) حتى يتم دراستها. و من ثم يقوم الباحثون بإدخال مصدر ضوئي كالألياف البصرية داخل الدماغ حتى يتم التحكم بتلك الخلايا العصبية.
هذا النوع من الزراعات قد يكون صعب الإدخال أو غير متوافقٍ مع العديد من التجارب، كالدراسات المهتمة بتطور ونمو الدماغ و التي يتغير فيها حجم الدماغ، أو اضطرابات الضمور العصبي و التي قد يتفاعل فيها ما تم زراعته مع وظائف الدماغ، ووجد الباحثون أنه من الصعب القيام بدراسات طويلة المدى على الأمراض المزمنة في وجود تلك الزرعة.
التنوع الوراثي في الطبيعة
للعثور على بديل أفضل، قام بويدين وطالبة الدراسات العليا إمي تشونق وزملاؤهم بالبحث في الطبيعة. و وجدوا أن العديد من الميكروبات (الكائنات المجهرية) و الكائنات الحية الأخرى تستخدم الأبوسينز لتتمكن من التعرف على وجود الضوء و الإستجابة و التفاعل مع البيئة المحيطة بها. الجدير بالذكر ان غالبية الأبوسينز الطبيعية المصدر والمستخدمة في علم علم الوراثة الضوئي تستجيب بشكلٍ ممتازٍ للضوء الأزرق والأخضر.
توصل فريق بويدين في السابق إلى التعرف على مضختي أيونات الكلور حساستين للضوء تستجيبان للضوء باللون الأحمر وتمتلكان القدرة على اختراق النسيج الحي بشكل أعمق، غير أن تلك الجزيئات الموجودة في بعض أنواع البكتيريا مثل Haloarcula marismortui و Haloarcula vallismortis لم تقم بإنتاج تيارٍ كهربائيٍ – نتيجةً للتحفيز الضوئي – بقوةٍ كافيةٍ للتحكم بنشاط الخلية العصبية.
ومما قامت به تشونق لتحسين التيار الكهربائي الناتج عن التحفيز الضوئي هو البحث عن بروتينات مشابهة لتلك التي تم اكتشافها وقياس نشاطها الكهربائي، ثم صممت بروتين مشابه عن طريق عمل عدد من الطفرات الوراثية. كانت النتيجة بأن حافظ جاوْز على حساسيته للضوء الأحمر و لكن مع استجابةٍ بتيارٍ كهربائيٍ أقوى للضوء الأحمر بشكلٍ كافٍ لإيقاف النشاط العصبي للخلية العصبية.
و علق بويدين وهو عضوٌ في معمل إم أي تي ومعهد ماكقوفيرن لأبحاث الدماغ ـ بأن ما قاموا به “يجسد التنوع الوراثي المبهر في الطبيعة و الذي يمكن استغلاله والإستفادة منه في علوم الأحياء و الأعصاب.“
وقد تمكن الباحثون باستخدام هذا النوع من بروتينات الأوبسينز من إيقاف النشاط العصبي في دماغ فأر تجارب بإستخدام مصدر ضوئي خارجي، ونتيجة للتعديل الوراثي على هذا البروتين، تمكن من تثبيط النشاط العصبي على مساحة عميقة نسبياً تبلغ ٣ ميليميترات من الدماغ. كما كان فعالاً كطرق التثبيط الأخرى التي تتطلب تدخل جراحي لزراعة مصدر ضوئي داخل الجمجمة و استخدام ألوان أخرى من الضوء.
أشار قاريت ستابير وهو أستاذٌ مساعدٌ في الطب النفسي و والوظائف الخلوية في جامعة نورث كالورينا بأن من أهم إيجابيات هذا النوع أنه “أصبح من الممكن عمل دراسات البصريات جينية على الحيوانات ذات الأدمغة الأكبر حجماً.” وأضاف: “واجه الباحثون صعوباتٍ في إحداث تأثيراتٍ سلوكيةٍ بإستخدام تقنية الوراثة الضوئية على الحيوانات ذات الأدمغة الكبيرة الحجم نسبياً.” و عُلّل ذلك بأنه من الممكن ان يكون “نتيجةً لعدم تثبيط مساحةٍ كافيةٍ من النسيج العصبي” و أضاف انه باستخدام الأوبسينز المعدل وراثيًا “قد تهون تلك الصعوبات“.
استعادة الإبصار
قام فريق إم أي تي بعد العمل مع الباحثين في معهد فريدريك ميسشير لأبحاث الطب الحيوي في سويسرا باختبار قدرة جاوْز على استعادة حساسية الضوء لدى نوع من الخلايا العصبية الموجودة في الشبكية والتي تدعى الخلايا المخروطية، ولقد لُوحظ بأن تلك الخلايا بالضمور تدريجياً لدى مرضى التهاب الشبكية التصبغي مما يؤدي إلى فقدان البصر.
وإضافةً إلى ذلك، قام العلماء بوتوند روسكا وفولكر بوسكامب من معهد فريدريك ميسشير باستعادة بعض الرؤية لدى عدد من فئران التجارب عن طريق تعديل تلك الخلايا لتتمكن من صناعة بروتينات حساسة للضوء. و قد قاما أيضاً بإجراء عدد من التجارب على بروتين جاوْز في شبكية فأر، ولاحظوا وجود تشابه كبير بينه وبين بروتين الأوبسينز الموجود بشكل طبيعي في الشبكية وأنه يمتلك حساسية على نطاق واسع لشدة الضوء مما يجعله مناسباً لعلاج التهاب الشبكية الصباغي.
من المتوقع في المستقبل أن يتم علاج الصرع عن طريق استخدام هذه التقنية من أجل إيقاف الإشارات العصبية المؤدية لحدوث نوبات الصرع. و أضاف بويدين: “بما أن هذه الجزيئات مستخرجة من مخلوقات أخرى، العديد من الدراسات و التجارب ستجرى عليها لتقييمها والتأكد من أمانها و فعالية استخدامها في العلاج“.
حالياً، يقوم معمل بزيدين وفريقه بالعمل مع باحثين آخرين على بروتين جاوْز أوبسينز واختباره والبحث عن تطبيقات اخرى له، ويأمل الفريق باكتشاف أنواعٍ أخرى من البروتينات الحساسة للضوء عن طريق استخدام طريقة الإختبار العلمي فحص الإنتاجية العالية من أجل تسريع عملية تطوير تلك البروتينات.