كتابة وإعداد: فريق تحرير السعودي العلمي.
لا ينفك العلم يُدهشنا باستمرارٍ بمزيدٍ من الاكتشافات والإنجازات في مختلف المجالات، فليس في قاموس العلم ما هو مستحيلٌ، وهذا ما يثبته تاريخ العلم عاماً بعد عام. ولقد شَهِد عامنا هذا أحداثاً علميةً لم يكن يُتصوّر أنها قريبة المنال، وكان كل اكتشافٍ جديدٍ يفتحُ لنا أُفقاً واسعةً للبحث فيها، لتستمر رحلة العلم التي تُبهرنا وتُدهشنا باحتمالاتها اللامحدودة. وسنستعرض معكم في هذا المقال أبرز الأحداث العلمية لعام 2019م:
1- التقاط أول صورة لثقبٍ أسود
تمكّن العلماء في شهر أبريل من عام 2019م من رصد أول صورةٍ لثقبٍ أسود في تاريخ البشرية، ليصبح من الممكن رؤية ما كان يُعتقد بأنه لا يُرى ولن يُرى! ولقد رُصدت الصورة عبر سلسلة من ثمانية مراصد فضائية راديوية موزعةٍ حول العالم والمسماة بمنظار “أفق الحدث”، إذ أعتمد هذا المنظار في عمله على تقنية “قياس التداخل مديد القاعدة”، وذلك بأن غطت المراصد المُوّزعة مساحةً كبيرةً من سطح الأرض، لتخلق بذلك عدسةً كبيرةً قادرةً على رصد أدق الأجرام السماوية وأبعدها. ولقد توجهت جميع هذه المراصد ناحية الثقب الأسود لأسبوعٍ كاملٍ في شهر أبريل بعام 2017 لتجمع البيانات التي أعطتنا هذه الصورة البهية.
يقع الثقب الأسود المُصوّر حديثاً في وسط مجرة M87 التي تبعد حوالي 53 سنةً ضوئيةً عن الأرض، وتبلغ كتلته 6.5 مليار ضعف كتلة الشمس. وتُعرَف الثقوب السوداء بجاذبيتها العالية التي تمتص كل شيءٍ بما في ذلك الضوء، وهو ما يجعلها مظلمةً وعصيةً على الرصد سابقاً. ولهذا قام العلماء بالتركيز في هذا المشروع على منطقة أُفُق الحدث للثقب الأسود ليتمكنوا من تصويره، وهي المنطقة المُحيطة بالثقب الأسود والتي لا يمكن أن يفلت منها شيءٌ بعد عبورها، وتتميز هذه المنطقة بتجمع الغازات فيها ودرجة حرارتها العالية جداً، مما يوّلد انبعاثاتٍ لتلك الغازات وهو ما رصده العلماء فعلاً.
وصل حجم البيانات المرصودة إلى 4 بيتابايت (أي 4 مليون قيقابايت)، وكانت كلها مقترنةً بساعاتٍ ذريةٍ دقيقةٍ ليتمكن العلماء من مزامنتها، ولقد جمعت البيانات يدوياً بعد الرصد وشُحنت إلى مختبرات معهد ماساتشوستس للتقنية ومعهد ماكس بلانك لعلم الفلك الراديوي ليجري تحليلها في حواسيب فائقةٍ من نوعٍ خاص. ولقد تمكّن العلماء من خلال هذه الصورة من معرفة عددٍ من خصائص الثقب الأسود، والتي بدت متوافقةً مع توقعات النظرية النسبية لأينشتاين لتكون برهاناً جديداً على صحة هذه النظرية العظيمة.
2- التقاط أول صورة للتشابك الكمّي
تمكّن علماء جامعة قلاسكو بالمملكة المتحدة في شهر يوليو من التقاط أوّل صورةٍ لظاهرة التشابك الكمّي، حيث صمموا نظام تصويرٍ متقدمٍ لرصد هذه الظاهرة التي تتجاوز حدود الفيزياء الكلاسيكية، والتي تصِف إمكانية بقاء الجسيمات دون الذرية متصلةً ببعضها وفق قوةٍ كميةٍ، بحيث يؤثر كلّ جسيمٍ على الآخر بغض النظر عن المسافة بينهما ولو كانت أميالاً! وتكمن أهمية هذا الإنجاز في أن التشابك الكمي يلعب دوراً مهماً في الحوسبة الكمّية، التشفير، والاتصالات.
للوصول إلى هذه الصورة، قام العلماء بإطلاق ليزرٍ من الأشعة فوق البنفسجية باتجاه بلوراتٍ سائلةٍ من مادة بيتا بوريت الباريوم، وهو ما أدى إلى توليد فوتوناتٍ متشابكةٍ كمياً، وتم فصلها بعد ذلك وتمريرهما عبر مرشحاتٍ خاصةٍ تغير من “مرحلة استقطاب الفوتون” ودورانه، ومن ثم التقطوا صورةً للفوتونات في نهاية التجربة باستخدامٍ كاميرا خاصةٍ. فوجدوا أن الأزواج المتشابكة كانت متزامنةً مع بعضها بحيث تكون معاكسةً لحال توأمها.
3- ثقب الأوزون يسجل أصغر اتساعٍ له
أعلنت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة (نوا) ووكالة ناسا للفضاء في شهر أكتوبر أن ثقب الأوزون سجّل أصغر اتساعٍ له منذ بدء تتبعه في عام 1982م، حيث انخفضت مساحة الثقب الشهير من 8 مليون ميل مكعبٍ سنوياً إلى 6.3 مليون ميلٍ مربعٍ فقط في فصل الشتاء بهذا العام. وعزا العلماء المساحة الصغيرة نسبياً للثقب إلى درجات الحرارة المعتدلة على نحو غير عادي في طبقة الستراتوسفير من الغلاف الجوي، والنجاح النسبي للجهود الدولية الساعية لخفض إنتاج الملوثات المضرة بالطبقة.
طبقة الأوزون هي طبقة واقيةٌ تحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية التي يمكن أن تسبب العديد من الأمراض للكائنات الحية، وهو جزيءٌ شديد التفاعل ويتكوّن بشكلٍ طبيعي وبكمياتٍ صغيرةٍ في طبقة من الغلاف الجوي تسمى طبقة الستراتوسفير، ويتسع ثقب الأوزون خلال فصل الشتاء في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية كلّ عامٍ، حيث تحفز أشعة الشمس التفاعلات الكيميائية بين جزيئات الأوزون والجزيئات النشطة كيميائياً من الكلور والبروم. ولكن الظروف المعتدلة في طبقة الستراتوسفير فوق القارة القطبية الجنوبية في هذا العام حالت دون استمرار التفاعلات، وبالتالي تقليل الكمية المفقودة من الأوزون.
4- قوقل تصل إلى مرحلة السيادة الكمّية
في قفزةٍ علميةٍ هائلةٍ في عالم الحواسيب الكمّية، أعلنت قوقل في شهر أكتوبر عن تطوير معالجٍ كمّيٍ يتفوق على أقوى الحواسيب الفائقة الموجودة حتى الآن، لتحرز بذلك السيادة الكمّية في عالم الحوسبة بمعالجها الجديد الذي أطلقت عليه اسم “سيكامور”، وهو معالجٌ ذو وحداتٍ فائقة التوصيل مكوّنٍ من 54 بت كمي (أو كيوبت)، ويستطع هذا المعالج أن يؤدي مهمةً حسابيةً معقدةٍ خلال 300 ثانيةٍ فقط ما يستغرق حاسوب أي بي إم الخارق حوالي 10,000 عامٍ، ليكون بذلك أسرع بمقدار 1.5 تريليون مرة من الحواسيب الفائقة الكلاسيكية وبفارقٍ زمني هائلٍ يُمثل تحقيقاً لتنبؤات الفيزيائيين وعلماء الحاسوب.
تستطيع الحواسيب الكمية معالجة العمليات الرياضية بسرعةٍ لا تستطيع الحواسيب الثنائية التقليدية الوصول إليها، فبدلاً من تمثيل البيانات على شكل 0 أو 1 كما هو حاصلٌ في الحواسيب الكلاسيكية، تستخدم الحواسيب الفائقة البتّات الكمّية لتخزين البيانات كمزيجٍ بين 0 و1 في الوقت ذاته، وهي ظاهرةٌ فيزيائيةٌ كميةٌ تُعرف بـ “التراكب”، وهو ما يسمح بإجراء عملياتٍ حسابيةٍ ضخمةٍ دفعةً واحدة.
5- عودة انتشار فيروس الحصبة:
عاود مرض الحصبة الانتشار من جديد على نطاقٍ واسعٍ، إذ تعاني العديد من الدول في شرق العالم وغربه من تفشي المرض في داخل حدودها، حيث سجلت منظمة الصحة العالمية أكثر من 413,308 ألف حالة إصابةٍ بالمرض في 187 دولةٍ، مع تقديراتٍ بأن الأعداد الحقيقية أعلى بذلك بعشرة أضعافٍ. فلقد شهدت الكونغو لوحدها حوالي 215 ألف حالة إصابةٍ جديدةٍ بالحصبة وأكثر من 5 آلاف حالة وفاة معظمهم من الأطفال دون سن الخامسة، وسجّلت دولة ساموا معدلات تحصينٍ منخفضةٍ تصل إلى 31% وشَهِدت أكثر من 3,700 إصابة وعشرات الوفيات. وأما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أًبلغ عن 1,276 حالةً في 31 ولاية على مدار العام، وهو ما أدى إلى إزالة الولايات المتحدة ككل من خانة “خالي من الحصبة”.
أرجع الخبراء سبب هذا التفشي إلى عدم التزام الأهالي بإعطاء التطعيمات لأطفالهم لعدة أسبابٍ، منها انتشار عددٍ من المعتقدات المغلوطة حول التطعيم واللقاحات، مثل الاعتقاد بتسببها بمرض التوحّد رغم عدم وجود ما يُثبت ذلك من الدراسات والأبحاث العلمية الموثوقة، كما أن بعض المناطق المضطربة حول العالم يصعب إيصال التطعيمات إليها نظراً للبلابل السياسية والعسكرية التي تمر بها، ناهيك عن فقر بعض الدول والمناطق التي يصعب عليها تحمل كلفة نقل التطعيمات وتخزينها وتوزيعها على الأطفال.
إن الحصبة هي مرضٌ فيروسي مُعدٍ يُصيب الأطفال عادةً، وتظهر أعراضه كنزلةٍ بردٍ مصحوبةٍ بارتفاعٍ شديدٍ في الحرارة في بدايته، ويتبع ذلك طفحٌ جلدي وظهور بقعٍ بيضاء داخل الفم وعلى بطانة الخد. ويُمكن للمصاب نقل الفيروس أثناء فترة حضانة المرض أي قبل ظهور الأعراض، ولا يوجد علاجٌ دوائي له بعد الإصابة به، بل يُمكن الوقاية منه بأخذ اللقاح الثلاثي الفيروسي. وتكمن خطورة المرض في احتمال تسببه بمضاعفاتٍ خطيرةٍ، مثل الاسهال والتقيؤ، التهاب الأذن الوسطى والصمم الدائم في بعض الحالات، والالتهاب الرئوي، ونوبة التشنج الحموية.
المصادر:
Space
Sciencenews
Sciencemag
Science News
Science News
WHO
MOH
Live Science
Sciencealert
Universetoday
BBC
Businessinsider
Science Alert
Nature
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021