كتابة: د. ابتسام باضريس، عالمة باحثة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.
في يوم الأربعاء الموافق الرابع من يوليو (تموز) عام 2012مـ، نشر العلماء آخر ما توصلوا إليه وقتها في مجال أبحاث فيزياء الجسيمات، وما أُعتقد بأنه آخر وأهم جزءٍ لم يُكتشف بعد في النظرية القياسية للجسيمات الأولية، وهو رصد جسيم هيغز تجريبياً لأول مرةٍ في التاريخ. ولقد نُشرت تفاصيل هذا الاكتشاف العظيم في تقارير صادرةٍ عن تجربتي أطلس والملف النبضي المدمج للميونات (سي ام اس) الموجودتين في محيط مصادم الهيدرونات الكبير التابع للمركز الاوروبي للأبحاث النووية (سيرن).
لقد صيغت النظرية القياسية للجسيمات الأولية بصيغتها النهائية في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وهي معنيةٌ بشكلٍ رئيسي بدراسة الجسيمات الأولية المكوّنة للكون والقوى الرئيسية في الطبيعة المؤثرة عليه، والجدير بالذكر هنا ومن دون الدخول في متاهات التفاصيل، أن الكثير من العلماء اعتقدوا بأن هذه النظرية غير كاملةٍ من ذلك الحين، بالرغم من كونها أحد أهم النظريات التي تُعنى بدراسة مكونات الكون والتأكد من أغلب فرضياتها تجريبياً. وأصبح هناك علمٌ جديدٌ يُعنى بدراسة ما وراء النموذج القياسي، ولقد كان جسيم هيغز هو اللبنة المفقودة في هذا النموذج، كما يُعتبر جسيم هيغز أحد الأسباب الرئيسية خلف بناء مسرع الهيدرونات الكبير والذي استغرق بناؤه ما يقارب ٢٤ عاماً.
تأتي أهمية جسيم هيغز من الفرضية القائلة بأنه مسؤولٌ عن توليد الكتلة للجسيمات الأولية، وذلك عن طريق تفاعل هذه الجسيمات مع ما يُعرف بمجال هيغز، وهو ما يؤدي إلى تكوّن الذرات نتيجةً لتفاعل هذه الجسيمات مع بعضها البعض، وتترابط هذه الذرات مع بعضها البعض لتتكون الجزئيات التي تُشكل المواد الموجودة في الكون.
تنبع صعوبة اكتشاف جسيم هيغز من حقيقة كون كتلته كبيرةً جداً، والتي قدّرها العلماء بأنها تتراوح بين ١١٦-١٣٠ جيجا إلكترون فولت، وأنه يتحلل بسرعة إلى جسيماتٍ أقل وزناً منه، فكان لا بد من إيجاد وتطوير مسرعٍ نووي يستطيع تسريع جسيماتٍ مثل البروتونات إلى طاقاتٍ عاليةٍ جداً في نطاق الجيجا أو التيرا الكترون فولت، وذلك سعياً لاكتشاف جسيم هيغز، وكان من الضروري أيضاً استحداث طرقٍ وتقنياتٍ متقدمةٍ جداً لاستخلاص المعلومات الضرورية من الكم الهائل من التفاعلات الناتجة عن تصادم حزمتين من البروتونات المعجلة.
في احتفاليةٍ عظيمةٍ في المنظمة الاوروبية للأبحاث النووية في عام ٢٠١٣مـ، اجتمع نخبةٌ من العلماء والباحثون في مجال فيزياء الجسيمات الأولية والفيزياء النووية عالية الطاقة، وتقدمهم علماء الفيزياء النظرية وعلى رأسهم بيتر هيغز الذي سُمي هذا الجسيم تيمناً به. وألقى اثنان من العلماء من تجربتي أطلس و سي ام اس محاضرةً توضح آخر النتائج التي توصلوا إليها في مجال البحث عن بوزون هيغز، ولقد بُثّت هذه المحاضرة على الهواء مباشرةً لأول مرةٍ في تاريخ فيزياء الجسيمات الأولية لإتاحة الفرصة لمتابعتها في جميع مراكز الأبحاث حول العالم عبر روابط إنترنتٍ خاصةٍ.
بعد العرض المختصر لأهم تقنيات التحليل الحديثة المستخدمة في تحليل المعلومات الناتجة من تصادم حزمتين من البروتونات عند طاقةٍ تقدر ب ٨ تيرا الكترون فولت، والتي تعتبر أكبر مقدارٍ للطاقة استطاع الانسان توليدها في تاريخه، استعرض المتحدثون النتائج التي توصل إليها العلماء حول كتلة هيغز، والتي قدرت ب ١٢٥,٣ جيجا الكترون فولت بمعامل انحرافٍ عن القيمة الرئيسية يساوي 4.9، وتتطابق هذه النتائج إلى حدٍ كبير مع الفرضيات التي وُضعت في النظرية القياسية حول كتلة هذا الجسيم. ويتوقع العلماء أن يدخل علم الفيزياء عصراً جديداً وأنه اقترب أكثر لاكتشاف كيفية نشأة الكون باكتشاف هذا الجسيم.
المصطلحات:
أطلس ATLAS
الملف النبضي المدمج للميونات (سي ام اس) Compact Muon Solenoid CMS
مصادم الهيدرونات الكبير Large Hadron Collider (LHC)
المركز الاوروبي للأبحاث النووية (سيرن) CERN
بوزون هيغز Higgs Boson
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021