ترجمة: عبد الحميد شكري.
ابتكر المهندسون الأستراليون بتاً كمومياً جديداً يبقى في حالة تراكبٍ مستقرةٍ أطول بـ 10 مراتٍ مما تُوصل إليه سابقاً، مما يوسع بشكلٍ كبيرٍ الوقت الذي يمكن إجراء الحسابات فيه في حاسوب السيليكون الكمومي في المستقبل.
يمكن للباقة الكمومية الجديدة المصنوعة من مغزلية ذرةٍ واحدةٍ في السيليكون والمدموجة مع مجالٍ كهرومغناطيسيٍّ معروفٍ بـ “الكيوبت المغطّى” أن تحتفظ بالمعلومات الكمومية لفترةٍ أطول من ذرةٍ “مكشوفةٍ”، ما يفتح آفاقاً جديدةً لبناء وتشغيل الحواسيب الكمومية القوية في المستقبل. وتظهر النتيجة التي توصل إليها فريق جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية اليوم في النسخة الإلكترونية من الدورية العالمية نايتشر لتقنية النانو.
يقول الباحث في كلية الهندسة الكهربائية والاتصالات بجامعة نيو ساوث ويلز والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية وهو آرني لاوشت: “لقد صنعنا بتاً كمومياً جديداً دُمج فيه مغزلية إلكترونٍ واحدٍ مع حقلٍ كهرومغناطيسيٍّ قويٍّ، وتعد هذه البتة الكمومية أكثر تنوعاً وأطول عمراً من الإلكترون وحده، وستسمح لنا ببناء حواسيب كموميةٍ أكثر موثوقيةً”.
سُمي بناء الحاسوب الكموميّ بـ “سباق الفضاء في القرن الواحد والعشرين”، وهو تحديٌ صعبٌ وطموحٌ يحمل إمكانية تقديم أدواتٍ ثوريةٍ لمعالجة حساباتٍ مستحيلةٍ بأي طريقةٍ أخرى، مثل تصميم الأدوية المعقدة والمواد المتقدمة، أو البحث السريع من قواعد البيانات الضخمة وغير المُخزَّنة.
تكمن سرعته وقوته في الحقيقة القائلة بأن الأنظمة الكمومية يمكن أن تحوي “تراكباتٍ” متعددةٍ للحالات الأولية المختلفة، والتي تُعامل في الحاسوب كمدخلاتٍ تُعالج جميعاً في نفس الوقت.
يقول رئيس فريق البحث ومدير البرامج في مركز الحوسبة الكمومية وتكنولوجيا الاتصالات بجامعة نيو ساوث ويلز وهو أندريه موريلو: “إن أكبر عقبة في استخدام الأجسام الكمومية في مجال الحوسبة هو الحفاظ على تراكباتها الحساسة لفترةٍ طويلةٍ بما يكفي للسماح لنا بإجراء حساباتٍ مفيدةٍ”.
كما أضاف: “لقد أنتج برنامجنا البحثيّ الذي استمر عقداً البت الكموميّ الأطول أمداً في الحالة الصلبة، عبر ترميز المعلومات الكمية في الحركة المغزلية لذرة الفسفور الواحدة داخل رقاقةٍ من السيليكون والموضوعة في حقلٍ مغناطيسيٍّ ساكنٍ”.
ما فعله لاوشت وزملاؤه هو الذهاب لأبعد من ذلك، إذ يقول: “لقد قمنا الآن بتطبيق طريقةٍ جديدةٍ لتشفير المعلومات: لقد أخضعنا الذرة إلى مجالٍ كهرومغناطيسيٍّ قويٍّ جداً ومتذبذبٍ باستمرارٍ من ترددات الميكروويف، وبالتالي قمنا بإعادة تعريف الكم كتوجيه الحركة المغزلية بالنسبة لمجال الميكروويف”.
كانت النتائج مذهلةً: فبما أن المجال الكهرومغناطيسيّ يتذبذب بثباتٍ وبترددٍ عالٍ جداً، فإن أي ضوضاءٍ أو اضطرابٍ في ترددٍ مختلفٍ سينتج عنه تأثيرٌ كليٌ يساوي الصفر. ولقد أنجز الباحثون تحسّناً بعاملٍ قدره عشرة أضعافٍ في الفترة الزمنية لحفظ التراكب الكموميّ.
لقد قاموا على وجه التحديد بقياس زمن التخلص T2 * = 2.4 ميلي ثانية، وهي نتيجةٌ أفضل بعشرة مراتٍ من الكيوبت القياسيّ، مما يسمح بإجراء المزيد من العمليات خلال الفترة الزمنية التي يتم خلالها حفظ المعلومات الكمية الدقيقة بأمانٍ.
يضيف مريللو: “يمكن التحكم في هذا النوع الجديد من “الكيوبت المُغطى” بطرقٍ مختلفةٍ من شأنها أن تكون غير عمليةٍ للكيوبت المكشوف فعلى سبيل المثال يمكن التحكم به بتعديل تردد حقل الميكروويف تماماً كما هو الحال في راديو إف إم، أما “الكوبت المكشوف” فيتطلب تشغيل سعة مجال التحكم وإطفاؤه مثل راديو إيه إم.
أكمل قائلاً: “بمعنىً ما، هذا هو السبب في كون الكيوبت المغطى أكثر حصانةً للضوضاء: إذ يتحكم التردد بالمعلومات الكمومية، وهو ثابتٌ كالصخر، في حين أن السعة يمكن أن تتأثر بسهولةٍ أكبر بالضوضاء الخارجية”. ونظراً لأن الجهاز مبنيٌّ على تقنية السليكون القياسية، فإن هذه النتيجة تمهد الطريق لبناء معالجاتٍ كميةٍ قويةٍ وموثوقةٍ تستند إلى نفس عملية التصنيع المستخدمة بالفعل في الحواسيب الحالية.
يقود فريق جامعة نيو ساوث ويلز العالم في تطوير الحوسبة الكمومية في السليكون، ويُعد فريق موريللو جزءاً من جمعية الباحثين في جامعة نيو ساوث ويلز الذين توصلوا إلى اتفاقٍ بقيمة 70 مليون دولارٍ أستراليٍّ بين جامعة نيو ساوث ويلز، الباحثين، رجال الأعمال، والحكومة الأسترالية لتطوير نموذجٍ أوليٍّ لدائرةٍ كميةٍ متكاملةٍ من السيليكون، وهي الخطوة الأولى في بناء أول حاسوبٍ كموميٍّ في العالم بالسليكون.
سيسمح الحاسوب الكموميّ الوظيفيّ بزيادةٍ هائلةٍ في السرعة والكفاءة لبعض مهام الحوسبة، حتى إذا ما قورن بالحواسيب “التقليدية” المُعتمدة على السيليكون، حيث ستتخطى الحواسيب الحالية بمراحل في عددٍ من المجالات الرئيسية، كالبحث في قواعد البيانات الكبيرة، حل مجموعاتٍ معقدةٍ من المعادلات، ونمذجة النظم الذرية مثل الجزيئات الحيوية والعقاقير، كما أنها ستكون مفيدةً للغاية في صناعات التمويل والرعاية الصحية، وللحكومة والمؤسسات الأمنية والدفاعية.
يمكن للحواسيب الكمية أن تتعرف وتطور أدويةٍ جديدةٍ من خلال تسريع التصميم بمساعدة الحاسوب للمركبات الصيدلانية (وتقليل اختبارات التجربة والخطأ)، وتطوير مواد جديدةٍ أخف وأقوى تشمل مجالات الإلكترونيات الاستهلاكية إلى الطائرات، كما يمكنها أيضاً توفير أنواعٍ جديدةٍ من التطبيقات والحلول الحسابية التي تتجاوز قدرتنا على التنبؤ.
المصدر: (phys.org)
جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية (Australia’s University of New South Wales (UNSW))
نايتشر لتقنية النانو (Nature Nanotechnology)
كلية الهندسة الكهربائية والاتصالات (School of Electrical Engineering & Telecommunications)
آرني لاوشت (Arne Laucht)
أندريه موريلو (Andrea Morello)
مركز الحوسبة الكمومية وتكنولوجيا الاتصالات (Centre for Quantum Computation & Communication Technology (CQC2T))
الكيوبت (qubit)
الكيوبت المغطى (dressed qubit)
الكيوبت المكشوف (undressed qubit)
راديو تضمين السعة (AM radio)
راديو تضمين التردد (FM radio)
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021