كتابة: ديفيد لودين.
ترجمة: بلقيس الصالح.
مراجعة: سحاب أحمد الذايدي.
عانيتُ معظم سنوات دراستي الجامعية من نقص النوم، فقد كان لديّ الكثير من الأعمال كالاستعداد للاختبارات، قراءة بعض الدراسات، وكتابة أطروحتي العلمية، فكنتُ أظلّ مستيقظاً حتى وقتٍ متأخرٍ من الليل بقدر ما تُبقيني أكواب القهوة الوفيرة التي أشربها، ثم أضبط منبّهي على الساعة الرابعة فجراً لأحظى ببدايةٍ مبكرةٍ في اليوم التالي. وبعد ساعاتٍ من مذاكرة ما قبل الفجر، أتوجه إلى محاضرة الإحصاء في الثامنة صباحاً، لأغطّ في نومٍ عميقٍ بسرعةٍ ما إن أجد كرسياً في الخلف. لقد عرفت أهمية النوم الجيّد أثناء الليل منذ ذلك الحين، والذي كنت لأصبح معلماً سيئاً من دونه، أستوعب القليل فقط مما أقرأ، وتنقصني القدرة على كتابة أيّ نصٍ مترابطٍ منطقياً.
يُدرك مُعظم الناس أنهم معاقين إدراكياً عندما تنقصهم الراحة، فكلنا مررنا في وقتٍ أو آخرٍ بشعور الترنح، الفتور، والتشويش أثناء محاولتنا للبقاء مستيقظين في اليوم التالي لليلةٍ بدون نوم. ولكن ما لا يدركه معظم الناس أنّ لنقص النوم تأثيرٌ بسيطٌ على الحياة الاجتماعية أيضاً، ولكنّه مهمٌ. وفي دراسةٍ حديثةٍ لعالمة النفس آمي جوردن وزملائها من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، ناقشت ترابط حياتنا الاجتماعية بنمط النوم. فكلما اضطرب نومنا اضطربت علاقاتنا الشخصية، وبالمثل تحرمنا العلاقات الاجتماعية السلبية مما نحتاجه من النوم.
يعتقد الكثير من الناس بأن النوم بمثابة “إعادة شحنٍ لبطاريتك”، فهم يعتقدون أنه ومثلما يمكن استخدام هواتفهم الذكية أو حواسيبهم المحمولة وإن لم تكن بطاريتها مشحونةً بالكامل، أن بإمكانهم أيضاً القيام بكافة أعمالهم على أكمل وجهٍ حتى وإن لم يناموا لثمانِ ساعاتٍ في الليلة السابقة. ولكن هذا التشبيه بـ”البطارية” يُغفل تماماً الطبيعة الحقيقية للنوم، فهو عمليةٌ ديناميكيةٌ جداً، وعلى عكس الاعتقاد القائل بأن جسمك يستعيد طاقته في الوقت الذي تستلقي فيه في الظلام دون بذل أي جهدٍ، فإن عقلك يكون مشغولاً جداً بفرز الذكريات وترتيب فوضى تجارب اليوم السابق وإن كنت غير واعٍ لذلك، فأنت في الحقيقة تعمل صيانةً نفسيةً بدلاً من شحن بطاريتك.
ليس النوم سواءٌ، حيث يمر دماغك بأربع مراحلٍ للنوم خلال ساعات الليل، ويتضمن هذا النوم الخفيف هذه المرحلة الأولى والثانية، والنوم العميق في المرحلة الثالثة، ولكن الأهم من بينهم هي مرحلة حركة العين السريعة وهي المرحلة التي نرى فيها الأحلام، حيث يحتاج معظم الناس لإمضاء ساعتين على الأقل في هذه المرحلة خلال الليلة ليشعروا بالراحة والوعي الإدراكي الكامل في اليوم التالي، بغض النظر عن إجمالي ساعات النوم. وهنا يكمن سبب اختلاف عدد ساعات النوم الكافية لكلٍ منّا.
في الواقع، إنّ احتساب عدد ساعات النوم ابتداءً من ذهابك إلى السرير وحتى الاستيقاظ ليس معياراً جيداً لتقدير ساعات النوم التي حصلت عليها، ولا مؤشراً على جودة نوم تلك الليلة، حيث يحتاج بعض الناس وقتاً أطول من غيرهم ليستغرقوا في النوم، ونستيقظ كلنا لعدة مرات أثناء الليل، سواءً للذهاب لدورة المياه أو فقط لتغيير وضعية الاستلقاء حتى وإن لم نتذكر مرات الاستيقاظ تلك في الصباح التالي. ولقد تمكن الباحثون في المختبر من قياس كفاءة النوم وهي مقدار النوم الحقيقي الذي يحصل عليه الشخص أثناء فترة نومه الكاملة، ومع ذلك فإن تصوّرك لكفاءة نومك يُعد معياراً جيداً بغض النظر عن عدد الساعات التي قضيتها على السرير.
وجد الباحثون أن النظام اليومي مهمٌ جداً أيضاً، فـ”الصباحيين” يكونون عادةً متيقظين أكثر في بداية اليوم، بينما “المسائيون” في نهايته. فيجب أن تُقيِّم نفسك إن كنت صباحياً أم مسائياً ثم ترتب نشاطاتك اليومية تبعاً لذلك قدر الإمكان. وعلى الرغم من أن التأثير الإدراكي لنقص النوم متعارفٌ عليه، إلا أن قلةً فقط من الأشخاص العاديين وعلماء النفس يولون اهتماماً بـ”الجانب الاجتماعي للنوم” كما أسمته جوردن وزملاؤها، وأشار فريقها إلى ثلاثةٍ من أشهر الأشياء التي تتأثر بنقص النوم وهي العلاقات القوية، إدراك الشخص، والضغط الاجتماعي.
١-العلاقات القوية:
يفضل الناس في الغرب النوم وحدهم على أسرتهم الخاصة، إلا في حال كانوا في علاقةٍ حميمية، حيث ينام الشريكان معاً عادةً، ولكن يشيع النوم مع جماعةٍ في الثقافات الأخرى حول العالم، إن لم يكن هو الأمر الطبيعي، وقد تلتمُّ عائلةٌ كاملةٌ طلباً للدفء في الليالي الباردة، ويمكن أن ينام حتى غير الأقارب معاً دون أن يكون بينهم أي علاقةٍ جنسيةٍ كما في الغرب. فعندما كنت أُدرِّس في اليابان، ذهبت مع هيئة التدريس إلى منتجع ينابيعٍ حارة، ونمنا تلك الليلة معاً على الفراش الياباني على أرضية من حُصر القش في غرفةٍ واحدةٍ كبيرة (قيل لي أن النوم معاً يعزز من وحدة الجماعة).
إنّ للنوم تأثيرٌ كبيرٌ على علاقاتنا الاجتماعية، خاصةً تلك الأكثر قرباً وحميميةً، فإذا لم يحظَ أحد الطرفين بنومٍ جيّدٍ فمن المُرجح أن تزداد الخلافات في اليوم التالي، وذلك لأننا نكون أقل تعاطفاً وأقلّ ميلاً للمشاركة بشكلٍ فعّالٍ في حل الخلافات. وحتى الشريك الذي حظِيَ بليلةٍ جيدةٍ يُبدي قلةً في التعاطف مع شريكه الذي لم ينم جيداً، كما لو أن أثر نقص النوم كان مُعدياً. كما أعلن الأزواج عن وجود صعوبةٍ في النوم عند حصول خلافٍ مع شريكهم، لاسيما إذا كان في وقتٍ متأخرٍ.، ما قد يدخل الأزواج في حلقةٍ مفرغةٍ من الخلافات والحرمان من النوم.
٢-إدراك الشخص:
لا بد من قراءة مشاعر الآخرين من تعابير وجوههم لنتفاعل معهم بشكلٍ جيدٍ، ويجد المحرومون من النوم صعوبةً بالغةً في ذلك، حيث عُرضت صورٌ لغرباء على المشاركين في البحث ليقرأوا مشاعر أصحابها سواءً كانوا فرحين أم غاضبين، فبدت إجاباتهم أقلّ دقةً بعد أن ظلوا مستيقظين طوال الليلة السابقة، مقارنةً بأدائهم بعد أن ارتاحوا لليلةٍ جيدةٍ لنفس المهمة. كما أن الناس الذين لم يكتفوا من النوم يفكرون عادةً بطريقةٍ نمطيةٍ ومنحازةٍ، إنّ القدرة على قراءة مشاعر الغرباء وتجنب التفكير بأحكامٍ مسبقةٍ يعتبران من أهم العناصر التي تسهل العمل في أغلب بيئات العمل، ولهذا فنقص النوم قد يؤثر على أداءك المهني أيضاً.
٣-الضغوط الاجتماعية:
من الصعب أن تحظَ بليلةٍ هانئةٍ إذا مررت بموقفٍ سلبيّ أثناء اليوم، كأن تقع في خلافٍ مع شريك أو فرد من العائلة، أن تكون ضحية تمييزٍ عنصريٍ، أو أن تشعر بالرفض، وعلى الرغم من أنه لا مفر من هذه الضغوط الاجتماعية إلا أن قدرتنا على التعامل معها تعتمد على مدى راحتنا. فتنظيم الانفعال عمليةٌ تقوم على إعادة تقييم مشاعرنا ومحاولة وضعها في منظورها الصحيح، ويحتاج ذلك لجهدٍ كبيرٍ لن نملكه ببساطةٍ إن لم ننم جيداً، وهنا تبدو لنا الحلقة المفرغة لنقص النوم والخلافات الشخصية مرةً أخرى.
وفقاً لجوردن وزملائها، فإن أكثر من ثلثي البالغين الأمريكان لا يحصلون على قسطٍ كافٍ من النوم، فهم مشغولون بأعمالهم أكثر من أي وقتٍ مضى، ولكنهم يجدون وقتاً لأنشطةٍ جانبيةٍ تزيد من الضغوط بدلاً من تخفيفها مثل الرياضات التنافسية، أفلام الأكشن والإثارة، وألعاب الإنترنت الحماسية. فأثر نقص النوم على الصحة الجسدية والنفسية معروفٌ منذ زمن، والآن صرنا نعرف أنه قد يضر بعلاقاتنا الاجتماعية أيضاً، مما يضعنا في دوامةٍ أعمق من الخلافات ونقص النوم، ولهذا حان وقت إغلاق التلفاز، إطفاء الحاسب الآلي، وإبعاد الهاتف الذكي للحصول على قسطٍ كافٍ من الراحة.
المصدر (PsychologyToday)
آمي جوردن Amie Gordon
جامعة كاليفورنيا University of California
حركة العين السريعة Rapid Eye Movement (REM)
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021