ترجمة: خالد العريني.
قبل خمسة عشر عاماً، احتفل العلماء بالمسودة الأولى للجينوم البشري، في ذلك الوقت توقع العلماء أن البشر يملكون ما مقداره بين ٢٥٠٠٠ و ٤٠٠٠٠ موروثاً يقوم بترميز البروتينات، ولكن هذا التقدير استمر في التناقص. في الواقع يبدو أن البشر يمتلكون عدداً قليلاً من الموروثات والذي قد يصل إلى ١٩٠٠٠ موروثةٍ، أيّ ما مقداره من ١ إلى ٢ ٪ من الجينوم فقط. إن مفتاح التعقيد لدينا يكمن في كيفية تنظيم هذه الموروثات من قِبل الـ ٩٩٪ المتبقية من حمضنا النووي، والمعروفة بإسم المادة المظلمة للجينوم.
اتضح أن العناصر التنظيمية الوفيرة تشارك في لعب دورٍ من خلال ضبط تعبير الموروثة بطرق لا زال العلماء في بداية مراحل فك الغازها، وذلك من جهودٍ كمشروع الموسوعة الضخمة لعناصر الحمض النووي (أو إنكود اختصاراً) الذي بدأ في عام ٢٠٠٣مـ من قِبل المعهد الوطني الأمريكي لأبحاث الجينوم البشري. فعن طريق الكشف عن التعليمات التنظيمية داخل الجينوم زيادةً على موروثات ترميز البروتين، يأمل العلماء أن يؤدي ذلك للتوصّل إلى طرقٍ جديدةٍ لفهم وعلاج المرض. ويقول بينق رين عضو فريق عمل إنكود والباحث في أحياء الخلية بمعهد الطب الجينومي بمنطقة لاجولا والتابع لجامعة كاليفورنيا فرع سان دييقو بأمريكا: “إنها ليست مبالغة بأن نقول أن مشروع الإنكود مُهمٌ لفهمنا للجينوم البشري كأهمية مشروع مسح تسلسل الحمض النووي الأصلي للجنيوم البشري”.
رين مشاركٌ أيضاً في تجمعٍ لاحقٍ يُسمى بـ “مشروع خارطة الطريق لعلم ما فوق الجينيوم”. هاتان المبادرتان مموّلتان من قبل المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة، وتهدفان لمسح والتنبؤ بوجود عناصرٍ في الجينوم توجه مكان وزمان التعبير عن الموروثات، بما في ذلك الامتدادات الكبيرة للمناطق غير المُرمّزة للبروتينات. لقد ولّد العلماء قائمةً من هذه العناصر باستخدام الفحوصات الحيوكيميائية لفحص تسلسل الحمض النووي الرايبوزي منزوع الأوكسجين، ونسخ الحمض النووي الرايبوزي، والبروتينات التنظيمية المرتبطة بالحمض النووي الرايبوزي منزوع الأوكسجين، الحمض النووي الرايبوزي، وتوقيعات ما فوق الموروثة التي كذلك تؤثر على تعبيرات الموروثة، وهي علامات كيميائية على الحمض النووي الرايبوزي منزوع الأوكسجين والبروتينات التي تغلفه.
تشير البيانات لحدّ الآن إلى أن مهمة مئات الآلاف من المناطق الوظيفية في الجينوم البشري السيطرة على تعبير الموروثة: حيث تبين أن مساحةً أكبر من الجينوم البشري مكرّسةٌ للموروثات التنظيمية أكثر من الموروثات ذاتها. ويحاول العلماء اليوم التثبت تجريبياً من كل عنصرٍ مُتوقعٍ للتأكد من وظيفته، وهي بلا شك مهمةٌ ضخمةٌ، لكن العلماء اليوم يملكون الآن أداةُ جديدةً وقويةً ستساعدهم على فعل ذلك.
منذ دخول تقنية تعديل الموروثات كريسبر-كاس9 للميدان العلمي، زادت السرعة التي يختبر بها الباحثون العناصر الوظيفية في المناطق غير المُرمّزة. ولكنه لا يزال مسعىً شاقاً، حيث أن هنالك أكثر من ثلاثة ملايين منطقةٍ تنظيميةٍ للحمض النووي الرايبوزي منزوع الأوكسجين تتحكم في تعبير الموروثة في أنواع الخلية البشرية المدروسة حتى الآن، والتي يُعتقد أنها تحتوي على ١٥ مليون موقعٍ للارتباط للبروتينات التنظيمية المسماة بعوامل النسخ. وينشط منها حوالي ١٥٠ ألفٍ في أيّ نوعٍ من أنواع الخلية.
قد تكون هذه المناطق حاسمةً لفهم الأمراض، لأن معظم تغييرات القواعد النيتروجينية المنفردة والمرتبطة بالأمراض الشائعة تقع في مناطق خارج الموروثات المُرمّزة للبروتينات، وغالباً ما تتداخل مع مواقع الحمض النووي الرايبوزي منزوع الأوكسجين التي علمها مشروع إنكود بوجود وظيفةٍ تنظيميةٍ. ويُعتقد أن عناصر تنظيميةٍ محددةٍ تقوم عادةً بتوجيه تعبير الموروثة تشكل جزءاً أساسياً لآليات مرض السرطان على سبيل المثال، حيث تشير البيانات إلى أن تعطيل العناصر التنظيمية للموروثة يمكن أن يكون له تأثيرٌ عنيفٌ على وظيفة الخلية كتعطيل الموروثة نفسها. ويمتلك العلماء الآن فرصةٌ لاختبار هذه الفرضية وباستخدام تقنية كريسبر-كاس9 عن طريق إدخال طفراتٍ مستهدفةٍ في تسلسل الحمض النووي غير المُرمّز ومن ثمّ مراقبة العواقب.
فك شفرات عالمٍ معقّدٍ
إن مقدار المادة المظلمة في الحمض النووي الرايبوزي منزوع الأوكسجين التي لديها وظيفةٌ في التحكم بالموروثة لا يزال موضوعاً للنقاش، ففي العام ٢٠١٢مـ، اقترح علماء مشروع الإنكود أن لـ٨٠٪ من الجينوم غير المُرمّز وظيفةٌ، وذلك على أساس تنبؤاتٍ ناتجةٍ من فحص الكيمياء الحيوية. ولكن سرعان ما تمّ إثبات أن هذا رقمٌ مبالغٌ فيه، حيث ضيق الباحثون تعريف “الوظيفة” وصمموا طرقاً تجريبيةٍ لاختبار هذه الوظائف مثل فحوصات المراسل. يقول مايكل سنايدر الأخصائي في علم الوراثة بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا وعضوٍ في الإنكود: “أن العدد لا يزال غير معروفٍ على وجه التحديد”، وذلك لأن المسح غير مكتملٍ جزئياً، وأضاف: “معظم الناس سيقولون أن ما بين ١٠٪ و ٢٠٪ من الجينوم غير المُرمّز يحتمل أن يكون لديه وظيفةٌ، حيث أنك ستقوم بالتأثير على شيءٍ مّا عند تعطيلها”.
لكن للعناصر التنظيمية مجموعةٌ مذهلةٌ من الوظائف والأشكال، مما يجعل في معالجتها تحدياً هائلاً. حتى الأنواع المعروفة جيداً صعبة الدراسة، مثل البقع الموجودة في الجينوم والمعروفة باسم المروجات والتي تقع بجانب الموروثة حيث تبدأ عملية النسخ، ومناطق المحسنات التي تكون مقيّدةً بعوامل نسخٍ محددةٍ تغير من احتمالية قراءة الموروثة. وبالإضافة إلى العدد الكبير لهذه المواقع والمقدّرة بنحو ١٥ مليون، فإن المحسنات قد تكون موضوعةً على مسافة الآلاف من أزواج القواعد بعيداً عن الموروثات التي تسيطر عليها. وهذا يجعل من الصعب التنبؤ بمواقع الموروثات المستهدفة وماهيّة عملها.
قدم كلاً من مشروع الإنكود ومشروع خارطة الطريق تلميحاتٍ مهمةٍ حتى الآن، ولكن البرهان الحقيقي على أن تنبؤات العناصر التنظيمية تفعل شيئاً في واقع الأمر يأتي من الاختبار الوظيفي. فبالنسبة للموروثات، سيستلزم ذلك على الأغلب مسحها واحداً تلو الآخر ومن ثمّ مراقبة تبعات ذلك في فحص الخلية أو نموذجٍ حيوانيٍ. ويعتبر تطبيق هذا الأمر على الجينوم غير المُرمّز أقل سهولةً لأن العديد من العناصر في هذه الحالة تعتبر زائدةً عن الحاجة، ولهذا فإن مسح عنصرٍ واحدٍ فقط قد لا يغير شيئاً في تعبير الموروثة أو لن يُحدث أيَ تغيرٍ واضحٍ. ويقول ران إلكون المختص في علم الوراثة بجامعة تل أبيب بفلسطين المحتلة: “إن لدينا تحدٍ كبيرٍ في هذه اللحظة للتفريق بين العناصر الوظيفية وغير الوظيفية من تلك المُكتَشَفَة بواسطة الإنكود”.
إن تقنية كريسبر-كاس9 تحديداً تسرّع من اكتشاف العلماء للمحسنات، حيث مكّنت التقنية العلماء من تغيير أعدادٍ كبيرةٍ من العناصر التنظيمية بطريقةٍ عاليةٍ الإنتاجيةٍ باستخدام مكتباتٍ من شظايا دليلةٍ من الحمض النووي الرايبوزي التي تستهدف وتعطل مناطق مختلفةٍ من الجينوم، وذلك لمراقبة النتائج. وهذه الطريقة ليست سريعةً نسبياً فقط، بل يستطيع الباحثون أيضاً أن يجروا الفحوصات في الخلايا البشرية بشكلٍ مباشرٍ.
هذا النوع من التجارب أظهر بعض النتائج غير المتوقعة بالفعل. حيث شارك إلكون خلال عمله في بحوث ما بعد الدكتوراة مع المتخصص في علم أحياء السرطان روفين أجامي بالمعهد الهولندي للسرطان بأمستردام في أعمال المسح الأولى للعناصر التنظيمية باستخدام أنظمة التعديل المتقدمة. ولقد تمكنوا من اختبار المحسنات التي تنبأ مشروع الإنكود أنها ترتبط بعامل النسخ المسمى بي53 بشكلٍ فرديٍ، وذلك باستخدام منهجية كريسبر-كاس9. إن الاهتمام بـ بي53 عالٍ لأنه كابحٌ معروفٌ للأورام، وهو متحورٌ في أكثر من ٥٠ ٪ من الأورام البشرية، ولقد تمكن الباحثون من تحديد اثنين من المحسنات من بين ألف موقعٍ جينوميٍ والتي تؤثر على وظيفة كبح الورم لـ بي53، والتي تقع بالقرب من منطقة ترميز موروثة لـ بي53. ولم يحدد موقع المحسن الثالث بعد نظراً لبعده عن أي موروثةٍ، فضلاً عن تلك الموروثات المتعلقة بـ بي 53.
في شريحةٍ منفصلةٍ، استهدفت المجموعة مواقع الارتباط لمستقبلات الأستروجين ألفا المتورطة في سرطان الثدي، وتعرفوا على ثلاثة متسلسلاتٍ من المحسناتٍ تؤثر على نمو الورم: بالتالي يمكن أن يكون لهذه العناصر دوراً بارزاً في زيادة المقاومة لعلاج سرطان الثدي.
في معهد براود التابع لمعهد ماساتشوستس للتقنية وهارفارد بكامبردج بولاية ماساشوستس، استخدم المهندس الأحيائي فينغ تشانغ ومجموعته البحثية كريسبر-كاس9 لتحديد موروثاتٍ أساسية لبقاء الخلايا السرطانية على قيد الحياة. حيث فحصوا في البداية باستخدام سرطان الجلد كنموذجٍ ما يقارب ١٨ ألف موروثةٍ في خلايا الإنسان لتحديد تلك الموروثات التي تقف وراء مقاومة علاج سرطان الجلد فيمورافينيب. بعد ذلك، وصفوا في دراسةٍ لاحقةٍ أخرى نُشرت الشهر الماضي فحصاً جديداً يحدد المناطق التنظيمية على كلا الجانبين لعددٍ من الموروثات المقاومة. ويقول عالم الأحياء الجزيئية نيفيل سانجانا والذي قاد البحث لمرحلة ما بعد الدكتوراه في مجموعة تشانغ البحثية ويعمل الآن في مركز نيويورك للجينوم بجامعة نيويورك أن النتائج التي توصلوا لها تنسجم تماما مع بيانات مشروع الإنكود والتي تنبأت بالمناطق التنظيمية في هذه المواقع، بالإضافة إلى أنها تكشف عن عناصر وظيفيةٍ جديدةٍ.
لكن بيانات فحصٍ أخرى باستخدام طريقة كريسبر-كاس9 تحدت تنبؤات مشروع الإنكود، فقد وضع الباحث بكلية الطب بجامعة هارفارد ببوسطن ريتشارد شيرود ومعاونيه نهجاً يُسمى “تحليل التعديل التنظيمي المضاعف” لفحص المناطق غير المُرمّزة، والتي قد تؤثر على تعبير الموروثة في سلالة معروفةٍ للخلايا الجذعية لفأر التجارب. وباستخدام هذه التقنية، حصل الباحثون على معلوماتٍ كمّيةٍ توضح مدى إمكانية مساهمة تلك المناطق التنظيمية في تعبير الموروثة. بعضاً من نتائجهم تتعارض مع المناطق المعلّمة من مشروع الإنكود كمحسناتٍ محتملةٍ، لأن هذه المناطق لم تؤثر على تعبير الموروثة عندما تحورت.
إضافةٍ إلى ذلك، اكتشف الباحثون أجزاءً غامضةً سموها “العناصر التنظيمية غير المُعلّمة” والتي لا تنتمي إلى أي فئةٍ من العناصر الوظيفية، ويقوم فريق العمل حالياً بالعمل على استكشاف مدى انتشار هذه العناصر في الجينوم. يقول شيرود أن هذا النوع الجديد من التحاليل وبالإضافة إلى الفحوصات الأخرى المعتمدة على تعديل الموروثات ستلعب دوراً مهماً في تأكيد مرشحين مشروع الإنكود.
تعديلاتٌ على التقنية
أعتمد الباحثون العاملون في مشروعي الإنكود وخارطة الطريق على تقنيةٍ حيوكيميائية تُسمى دي إن إيز – سيك بشكلٍ خاصٍ، والتي تُسلسل وتمسح جميع المناطق المكشوفة من الجينوم. وفي هذه الأجزاء، يكون الحمض النووي الرايبوزي منزوع الأوكسجين مسترخياً بدلاً من أن يكون ملفوفاً بشدةٍ حول الهيستونات، مما يزيد من سهولة ارتباط عامل النسخ اللازم الذي يدفع تفعيل الموروثة. وعن طريق مسح تلك المناطق، يمكن للباحثين أن يحددوا المحسنات، المروجات، المخرسات، العازلات، وبقية العناصر التنظيمية الأخرى في للجينوم غير المُرمّز.
تقوم طريقةٌ أخرى مسماةٌ بـ إيه تي إيه سي – سيك بكشف ومسح تسلسل مواقعٍ في الكروماتين (أو الصبغين) الذي يكون في متناول إنزيم الترانزبوزاز المستخدم في التحليل. إن كلاً من دي إن إيز – سيك وإيه تي إيه سي – سيك تنتجان معاينةً على مستوى الجينوم لمناطق الكروماتين المفتوحة. ووفقاً للباحثين، قد تكون اللمحات لما فوق الجينيوم مفيدةً لاتخاذ القرارات السريرية، وذلك لأنها تستطيع مسح مدى تفعيل الموروثات في أنواعٍ محددةٍ من الخلايا، وتعتبر طريقة إيه تي إيه سي – سيك سريعةً كفايةً لهذا الغرض. لكن الكثيرين يعتبرون أن التقنية المعروفة باسم الترسيب المناعي – سيك هي الأجدر بالثقة لإتمام هذا الغرض، وذلك لأنها التقنية الوحيدة التي تستطيع أن تتعرف على جميع مواقع الارتباط المحتملة لعامل نسخٍ محددٍ.
على الرغم من ذلك، تستطيع التحاليل الحيوكيميائية أن تعطي تلميحاتٍ فقط عن الوظيفة، إلا طريقة كريسبر-كاس9 لفحص الخلية تعتبر أكثر تحديداً بشكلٍ مغايرٍ، وذلك لأن باستطاعة العلماء في هذه التقنية أن يدخلوا تغييراً أو حذفاً لموقعٍ محددٍ في الجينوم ومن ثم مراقبة كيفية تأثير ذلك على تعبير الموروثة. إن عيوب هذه الطريقة أنها تغطي جزءاً صغيراً من الجينوم. يقول سانجانا أنه لو تم تمثيل كل أزواج القواعد الثلاثة ملياراتٍ ستساوي على سبيل المثال ثلاثة نسخٍ من الرواية الكلاسيكية “الحرب والسلام” الصادرة في عام ١٨٦٩مـ لريو تولستوي، وستغطي تلك الفحوصات بالكاد صفحةً واحدةً منها، إلا أن سانجانا متفائلٌ من أن مقاربات تعديل الموروثة ستزيد من حجمها.
يقول رين: “على المدى القصير، أظن أن تقنية الكريسبر ستستخدم أساساً كأداةٍ لإثبات الوظائف التي تنبؤ بها بواسطة تلك الإشارات الحيوكيميائية”. ويقول شيرود أنه بالإمكان أن يغذوا أداةً لتعلم الآلة ببياناتهم للتحسين من قوتها التنبئية، وذلك بمجرد الانتهاء من عددٍ كافٍ من مثل هذه الفحوصات”.
هنالك أدواتٌ حسابيةٌ جديدةٌ تُوفر للعلماء طرقاً أذكى لتفسير بيانات المسح الحيوكيميائي. فيمكن للخوارزميات أن تتنبأ بمواقع الارتباط لعامل النسخ، والتي يستطيع العلماء عندها فحص الوظيفة. يقول عالم الإحياء الحسابي بجامعة جون هوبكنز بمدينة بالتيمور في ولاية ميريلاند مايكل بير أنه وبالرغم من استخدام الخوارزميات، فإن التنبؤ بنشاط أيٍ من المحسنات في سياقٍ محددٍ أصعب في الجينوم البشري مقارنة بجينوم الخمّيرة أو جينوم الدود.
طوّر بير ومعاونيه نموذجاً حسابياً للتنبؤ بهوية الشبكات المحددة النسيج للعناصر التنظيمية للموروثة التي تعمل في نوعٍ خلويٍ معين، وكذلك للتنبؤ بمدى تغيرهم في الأمراض المعقدة. حيث قام الباحثون بتدريب خوارزميةٍ مفتوحة المصدر تسمى دلتا إس إم في، وذلك على سلالاتٍ خلويةٍ بشريةٍ سابقةٍ للمفاوية باستخدام بيانات الموروثات المأخوذة من الإنكود في عام ٢٠١٢مـ، متبوعةً ببيانات الإنكود لفأرٍ من العام ٢٠١٤مـ.
ركز العلماء في البداية على مرض السرطان للتحقق من الروابط بين العناصر الوظيفية والمرض، وذلك لأن السرطان يعتبر حالةً أسهل للدراسة على مستوى الخلية مقارنةً باضطرابٍ عصبيٍ نفسيٍ مثلاً، حيث أن سلالات الخلايا السرطانية تكشف نتائج سهلة القياس كالتكاثر الخلوي، موتها، أو تقدمها في العمر. ولكن البيانات القادمة من تجمع خارطة الطريق لعلم ما فوق الجينيوم تغير تفكير العلماء عن كيفية نشوء السرطان. حيث اظهرت دراسةٌ تمت في العام الماضي بواسطة المختص بعلم الوراثة جون ستاماتويانوبولوس وزملاؤه بجامعة واشنطن بسياتل أن طفراتٍ في نوعٍ محددٍ من خلية السرطان ستتجمع في مناطق يتعذر الوصول إليها من الكروماتين بدلاً من تلك المكشوفة، وذلك لأن المناطق المفتوحة يمكن أن تصلها إنزيمات إصلاح الحمض النووي.
وجد العلماء كذلك أن كثافة الطفرة في الورم تُعرّف بواسطة مظهر ما فوق الموروثات المحدد لكل نوعٍ من الخلايا. ونتيجةً لذلك، فإن بمقدور تسلسل الحمض النووي الرايبوزي منزوع الاوكسجين أن يعلمنا عن أصل الورم، والذي قد يقود لاحتمالية استخدام البيانات ما فوق الجينومية لتتبع مصدر نشأة السرطان في الحالات التي يبقى غير معروفٍ فيها. كما قد يفتح آفاقاً جديدةً لعلاج مرض السرطان. يقول ستاماتويانوبوليس: “أن السرطان أساساً برنامجٌ تنظيميٌ أو فوق الموروثة تم فرضه على الخلية، مما يُحدث اضطراباً وراثياً في الخلية كنتيجةٍ لهذا البرنامج”. وأضاف: “أثناء قيامنا بتحليل الكثير من جينومات السرطان، بدأت جميع تلك الأنماط من الموروثات الآن بالظهور بشكلٍ لم نكن نتخيله وجوده”.
إنه لمن الممكن أنه ما زال هنالك عناصرٌ في الجينوم فوتتها التحاليل الموجودة. فالإشارات التنظيمية لا تزال تظهر فجأةً كالعناصر التنظيمية غير المعلمة في فحص شيرود. ولقد قام فريقٌ من العلماء بقيادة المتخصص في علم المناعة بكلية الطب بجامعة هارفارد دانيال تينن باكتشاف صنفٍ جديدٍ محتمل من التنظيمات والتي يبدو أنها تسيطر على تشغيل أو أيقاف الموروثة عن طريق تعطيل “إنزيم ناقلة الميثيل في الحمض النووي الرايبوزي منزوع الأوكسجين1″، والذي يضيف مجموعات الميثيل للموروثات لتعطيلها. تم تسمية هذه العناصر “الترميز الزائد للحمض النووي الرايبوزي”، ولديها إمكانياتٌ علاجيةٌ لأن لها تأثيراً على تعطيل الموروثة بطريقةٍ محددةٍ. ولقد أظهر عالِم الأعصاب جيرمي داي وزملاؤه بجامعة ألاباما في بريمينقهام في وقتٍ سابقٍ من هذا العام أن الترميز الزائد للحمض النووي الرايبوزي يؤثر على نسخ موروثةٍ مهمةٍ لتكوين الذاكرة في الخلايا العصبية للفئران.
يقول ستاماتويانوبوليس أن فريق الإنكود سيستمر في رسم خريطة المنطقة غير المُرمّزة في الجينوم ويُتوقع أن يُغطى أغلب الحمض النووي الرايبوزي منزوع الأوكسجين التنظيمي بحلول العام ٢٠٢٠مـ. إن الفهم المكاني لكيفية تجميع الحمض النووي الرايبوزي منزوع الأوكسجين في الخلية، وطيّه بشكلٍ ثلاثي الأبعاد والذي يضع الموروثات في تواصلٍ قريبٍ مع عناصرها التنظيمية، سيكونان المفتاح للتنبؤ بالموروثات المستهدفة للعنصر. على سبيل المثال، لقد بدأ الصندوق المشترك للمعاهد الوطنية للصحة مشروع النيكليوم رباعي الأبعاد، والذي يهدف للتنبؤ بالموروثات المستهدفة لكل عنصرٍ تنظيميٍ. هذه المعرفة ستساعد في تكوين صورةٍ متكاملةٍ عن كيفية تأثير العنصر التنظيمي المحدد على الصحة والمرض.
إن تقنيات مسح التسلسل من الجيل القادم كانت ولا زالت المحرّك التقني للإنكود. ولكن بالتطلّع إلى المستقبل، قد يكون الباحثون قادرين على إظهار صورةٍ عالية الدقة للخلية الحية على نطاقٍ واسعٍ لمراقبة حالة تغيير الجينوم في الوقت الفعلي باستخدام علاماتٍ محددةٍ. ولكن هذه التقنية يمكن أن تكون مدمرةَ. يقول ستاماتويانوبوليس: “إذا كان لدينا مجهرٌ أفضل فلن نقوم بعملية مسح التسلسل بعد الآن”.
المصدر (nature)
إنكود ENCODE
بينق رين Bing Ren
لاجولا La Jolla
جامعة كاليفورنيا فرع سان دييقو University of California, San Diego
خارطة الطريق لعلم ما فوق الجينيوم Roadmap Epigenomics Project
المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة NIH
المروجات Promoters
المحسنات Enhancers
ما فوق الموروثة epigenetic
كريسبر-كاس9 –Cas9–CRICPR
فيمورافينيبvemurafenib
دي إن إيز – سيك seqDNase
الهيستونات histones
إيه تي إيه سي – سيك –seqATAC
الكروماتين (أو الصبغين) chromatin
لترانزبوزاز transposase
دلتا إس إم في deltaSVM
سابقةٍ للمفاوية lymphoblastoid
سانجانا Sanjana
جون ستاماتويانوبولوس John Stamatoyannopoulos
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021