ترجمة: شروق المطيري.
مراجعة: عبد الحميد شكري.
إن أحد أهم النتائج الرئيسية لاتحاد تجميع الأكسوم هو أن هناك العديد من الطفرات الوراثية التي صُنفت بطريقةٍ خاطئةٍ على أنها طفراتٌ مضرةٌ، واتحاد تجميع الأكسوم هو أكبر فهرسٍ على الاطلاق للتنوعات الوراثية في مناطق تشفير البروتين من الجينوم البشري. حيث يُقدر كُتاب الدراسة أن لكل شخصٍ طفراتٌ كامنةٌ في مورّثاتهم بمعدل ٥٤ طفرةً مسببةً للمرض، إلا أن ٤١ من هذه الطفرات تحدث بشكلٍ متكررٍ في الجنس البشريّ لدرجة أنها لا تتسبب في الإصابة بالأمراض الخطيرة في الحقيقة. ولهذه النتائج عواقب وخيمةٌ على بعض الأشخاص الذين يحملون هذه المتغيرات، لكونها تنقض ما يساوي الحكم بالإعدام وراثياً.
يخلق هذا تحديين للباحثين: كيف نعرف أيٍّ من هذه الطفرات التي تعتبر مسببةً للمرض حالياً هي طفراتٌ حميدةٌ في الواقع؟ وكيف نطبق اختباراتٍ أكثر صرامةً للبحوث المستقبلية التي تهدف إلى إيجاد الأسباب الوراثية للمرض؟
إن معرفة أي الطفرات لها علاقةٌ بالمرض حقاً تعتبر مهمةً شاقةً وطويلةً، ومثال ذلك: وجد الطبيب وعالم الوراثة ليزلي بيسيكر من معهد بحوث الجينوم البشريّ الوطنيّ الأمريكيّ في بيثيسدا بولاية ماريلاند أن المريض الذي راجعه للتشخيص يحمل متغيراتٍ وراثيةٍ لها علاقةٌ بالفشل الكلوي. إلا أنه اتضح فيما بعد أن هذا المتغير الوراثيّ كان شائعاً جداً في اتحاد تجميع الأكسوم ليسبب مرضاً كلوياً نادراً واقعياً. لذلك قام بيسيكر بالتحقق من التسلسل الوراثيّ لـ٩٥٠ شخص أجري لهم سابقاً فحص التسلسل في دراسةٍ تُسمى كلينسيق. حيث كان لخمسةٌ من هؤلاء الأشخاص نفس المتغير، وليس لديهم تاريخ مرضيٌّ في الكلى، مما يشير إلى أن هذا المتغير على الأرجح لا يسبب هذا المرض في الواقع. ولمزيدٍ من التحقق، يقوم بيسيكر حالياً بمعاودة التواصل مع مشاركي كلينسيق الخمسة الحاملين للمتغير ليطلب منهم أخذ اختباراتٍ متابعةٍ للتأكد ما إذا كانت وظائف الكلى لديهم طبيعيةً أم لا، ويتضمن ذلك جمع عيناتٍ متعددةً من البول خلال فترة ٢٤ ساعةٍ.
لإعادة تقييم العلاقة بين الأمراض والطفرات، يجب أن يكون لدى الباحثين طريقةً للتواصل مع مجموعةٍ من الأشخاص تكون معلوماتهم الوراثية المفصلة والسريرية معروفةً، وهذا نادرٌ! كما سيتطلب هذا العمل وقتاً وتكلفةً معتبرة، مضروبةً بالعدد الكبير للمتغيرات ‘المسببة للمرض’ المشكوك فيها، إن الباحثون ينظرون إلى إتمام مشروعٍ كبيرٍ جداً. إنه لأمرٌ حاسمٌ، حيث يُطلب من علماء الوراثة إصدار قرارٍ حول نوعية الضرر الذي يمكن أن تسببه الطفرات الموجودة في جينوم المرضى كل يومٍ. ويأمل بيسيكر أن تساعد المشاريع المخطط لها أو الموجودة حالياً والتي تربط الجينوم البشريّ مع سجلات المرضى الصحية المفصلة، كما في مبادرة الطب الدقيق للرئيس الأمريكي والتي تهدف إلى جمع التسلسل الوراثيّ لمليون أمريكيٍّ على الأقل، ومشرع المئة ألف جينومٍ البريطانيّ.
تُظهر إعادة النظر في الإمراضية أن الباحثين بحاجةٍ إلى أخذ الحذر عند بحثهم لتصنيف الطفرات الوراثية التي يُحتمل أنها تُسبب المرض، ويبدو أن كثيراً منهم لم يطلبوا أدلةً كافيةً قبل أن يؤكدوا أن متغيراً معيناً يُعد ضاراً.
بدأت الجهود المبكرة لاكتشاف الأسس الوراثية للمرض مع العائلات التي تكررت فيها حالةٌ معينةٌ، جيلاً بعد جيلٍ. وعن طريق دراسة تاريخ نسب العائلة الواسعة، تمكّن الباحثون من أن يروا أدلةً قويةً على أن بعض الطفرات تسببت في المرض. ولكن الباحثون في السنوات الأخيرة عكسوا التكتيكات: فعلى سبيل المثال، بحثوا عن أدلةٍ للإمراضية بواسطة مسح تسلسل بحثاً عن طفرات أكثر شيوعاً في الأشخاص الذين يعانون من المرض أكثر من أولئك الذين لا يعانون منه. ولقد أصبح من الواضح أن العديد من المتغيرات الوراثيّة نادرةً نسبياً، ومن المرجح أن الباحثون سيستنتجون أن متغيراتٍ محددةٍ ستظهر فقط في الأشخاص المصابين بالمرض خطأً، وذلك عندما لا يقومون بدراسة مجموعاتٍ كبيرةً بما فيه الكفاية من الأشخاص الحاملين وغير الحاملين للمرض عند مسح تسلسل الطفرات المسببة للمرض. قد تكون الحقيقة أنهم لم يبحثوا عن المتغيرات في أماكن أخرى بدقةٍ كفايةً.
لهذه الاستنتاجات عواقب مهمةٌ على الأشخاص المصابين، ولذا يجب على الباحثين أن يبحثوا في الموضوع بشكلٍ مختلفٍ. فعندما يشكون في أن لمتغيرٍ ما علاقةً بمرضٍ، يجب عليهم التحقق من مدى انتشاره في قواعد البيانات مثل قاعدة اتحاد تجميع الأكسوم. بل يُفضل أن يبحثوا عن دليلٍ على أن هذا المتغير له دورٌ وظيفيٌّ في المرض قبل أن يعلنوا أنه مسببٌ للمرض. وليبدأ الحساب.
المصدر: (nature)
الجينوم (genome)
اتحاد تجميع الأكسوم ((ExAC) Exome Aggregation Consortium)
ليزلي بيسيكر (Leslie Biesecker)
معهد بحوث الجينيوم البشري الوطني الأمريكي في بيثيسدا بولاية ماريلاند (US National Human Genome Research Institute in Bethesda, Maryland)
مبادرة الطب الدقيق للرئيس الأمريكيّ (US president’s Precision Medicine Initiative)
كلينسيق (ClinSeq)
الأكسوم: هو جزءٌ من الجينوم تُشكله الإكسونات، وهي الأجزاء النشطة من الحمض النووي الرايبوزي منزوع الأوكسجين.
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021