كتابة: فيونا ماكدونالد.
ترجمة: مؤمنة حجازي.
مراجعة: عبد الحميد شكري.
وثق علماء الحيوان علاقةً لا تصدّق بين الطيور البرية في موزمبيق وشعب الياو المحليين، والذين يجتمعون ليشكلون فريقاً واحداً للبحث عن العسل معاً. حيث يكون بمقدور كلٍّ من البشر والطيور التواصل باستخدام سلسلةٍ من الترانيم والتغاريد المميزة، حيث تقود طيور مرشد العسل الطريق للوصول لخلايا النحل الخفية؛ ليتبادل شعب الياو الغنائم مع أصدقائهم من الطيور.
إن هذه العلاقة المعروفة لأكثر من 500 سنةٍ علاقةً منفعيةً متبادلةً وجميلةً. لكن فريقاً من الباحثين من المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا أكد الآن أن طيور مرشد العسل والبشر يتواصلون فعليّاً في بالتبادل للحصول على أكبر قدرٍ من الفائدة من التعاون بينهم ولأول مرةٍ.
في حين أنه ليس من الغريب علينا أن نكون قادرين على التواصل مع الطيور الأليفة والحيوانات المنزلية الأخرى، إلا أنه من النادر للغاية على البشر أن يكونوا قادرين على التحدث مع الحيوانات البرية، والأندر لهم كذلك أن يكون الطيور قادرين على الرد عليهم طواعيةً.
المثير للإعجاب أكثر من ذلك هو أنه لم يسبق وأن درّب أحدهم هذه الطيور قط، فلقد اختاروا التعاون مع البشر بكامل إرادتهم. وتقول رئيسة الباحثين والمتخصصة في سلوك الطيور من جامعة كامبريدج وجامعة كيب تاون وهي كلاري سبوتيزوود: “المدهش في علاقة طيور مرشد العسل مع البشر أنها تتضمن حيواناتٍ بريةٍ حرة المعيشة، والتي طوّرت تفاعلاتها مع البشر من خلال الانتقاء الطبيعيّ على الأرجح، وربما على مدى مئات الآلاف من السنين”.
تُوجد طيور مرشد العسل بشكلٍ واسعٍ عبر جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية، حيث وُثّق أن عدداً من المجتمعات المختلفة تتعاون مع الطيور البرية لدفعهم للبحث عن أعشاش النحل المخفية في أعالي الأشجار.
تحب الطيور أكل أقراص شمع العسل داخل خلايا النحل تلك، ولكنهم لا يستطيعون كسرها بأنفسهم أو أن يخاطروا بالتعرض لقرصات النحل أثناء ذلك. لذلك تلجأ الطيور للبشر الذين يطردون النحل ويكسرون وكرهم ليأخذوا العسل، ثم يتركون أقراص شمع العسل خلفهم للطيور كي تتغذى عليها.
وفقاً لدراساتٍ سابقةٍ، فإن العلاقة تنجح في كلا الاتجاهين. فأحيانًا تتجسس الطيور على أماكن خلايا النحل بأنفسها، ثم تعثر مسرعةً على إنسانٍ قريبٍ باستخدام إشارة زقزقةٍ لجذب انتباههم.
كما سيلتمس صائدو العسل من مجتمع الياو المساعدة من طائر مرشد العسل القريب منهم أحياناً عند خروجهم بحثاً عن حاجتهم، وذلك باستخدامهم مناداةٍ مميزةٍ للطيور خاصةٍ بهم لجذب الطيور البرية. ولقد انتقلت مناداة الطيور هذه من جيلٍ لآخر وتبدو مثل صوت “برر-همم”، والتي تستطيع سماعها أدناه (هنا).
على الرغم من أن هذه العلاقة الجميلة قد وُثقت جيداً، إلا أن سبوتيزوود أرادت أن تعرف مرةً وإلى الأبد إن كان البشر والطيور يعملون معاً عن قصدٍ، أم أن أصوات الـ “برر-همم” هذه التي يصدرها شعب الياو تشكّل فرقاً في الواقع.
لمعرفة ذلك، عملت سبوتيزوود مع أعضاءٍ من مجتمع الياو وطلبت منهم أن يذهبوا لاصطياد العسل، على شرط أن يعزفوا ثلاثة أصواتٍ آليةً مختلفةً أثناء فعلوا لذلك: صوت الـ “برر-همم”، كلماتٍ عشوائيةٍ من لغة الياو، أو مناداةٍ للطيور لا علاقة لها.
عُزف أحد هذه الأصوات الثلاثة كل سبع ثوانٍ بمكبر صوتٍ محمولٍ على نفس مستوى صوت صيادي العسل بينما كانوا يسيرون في الأرجاء للبحث عن خلية نحلٍ، فكانت النتائج مبهرةً جداً. حيث تقول سبوتيزوود: “زادت أصوات الـ ‘برر-همم’ من احتمالية إرشادنا بواسطة مرشد العسل من 33% إلى 66%، وزادت الاحتمالية الكلية لمشاهدة وكرٍ للنحل من 16% إلى 54% مقارنةً بأصوات التحكم”.
كما أضافت قائلةً: “بعبارةٍ أخرى، ضاعفت أصوات الـ ‘برر-همم’ من فرص التفاعل الناجح لأكثر من ثلاثة أضعافٍ، مما وفر العسل للبشر والشمع للطيور”. استنتجت سبوتيزوود وفريقها بأن هذا البحث يعد علامةً واضحةً للتواصل الواعي بين الطيور وصائدي العسل من البشر، ولقد نشر بحثهم في دورية سينس.
كتب الفريق في المجلة: “تُظهر هذه النتائج أن الحيوان البريّ يربط المعنى بشكلٍ صحيحٍ ويستجيب بشكلٍ ملائمٍ لإشارة الإنسان للتوظيف نحو بحثٍ تعاونيٍّ عن الطعام… وهو سلوكٌ رُبطٌ مسبقاً مع الحيوانات المنزلية فحسب، كالكلب مثلاً”.
وفقاً للباحثين، فإن العلاقة التعاونية الوحيدة الأخرى بين الحيوانات البرية والبشر في العالم هي العلاقة الموجودة بين صيادي السمك المحليين والدلافين في البرازيل؛ حيث شوهدت الدلافين تُدعى لتقود مجموعاتٍ من الأسماك باتجاه الصيادين. وسبوتيزوود متشوقةٌ الآن لتعرف أكثر عن كيفية نشوء هذه العلاقة التعاونية وكيفية تورّيثها.
يعد هذا أمراً معقداً قليلاً؛ لأن طيور مرشد العسل تشبه طيور الوقواق في وضعها البيض داخل أعشاش طيورٍ أخرى وأن الصيصان تربيها أنواعٌ مختلفةٌ من الطيور، وهذا يعني أن آبائهم لا يستطيعون تعليمهم الأصوات المميزة. أما العلاقة في الجانب البشريّ فهي أسهل قليلاً؛ لأن أصوات الـ “برر-همم” توارثت بين الآباء في مجتمع الياو لقدر ما يستطيع الجميع تذكره.
تقول سبوتيزوود: “بشكلٍ مثيرٍ للاهتمام، يستخدم سكان المناطق الأخرى من أفريقيا أصواتاً مختلفةً جداً لنفس الغرض. فعلى سبيل المثال، أظهر عمل زميلينا براين وود أن صائدي العسل من شعب الهادزا في تانزانيا يصدرون صوت صفيرٍ لحنيٍ ليوّظفوا طيور مرشد العسل”. وتضيف: “سنسعد بمعرفة إذا ما تعلمت طيور مرشد العسل هذا التباين الشبيه باللغة في إشارات البشر عبر أنحاء أفريقيا، مما يتيح لهم التعرف على المتعاونين الطيبين وسط السكان المحليين الذين يعيشون بجانبهم”.
المصدر: (sciencealert)
فيونا ماكدونالد (FIONA MACDONALD)
شعب الياو (Yao people)
طيور مرشد العسل (honeyguide birds)
جامعة كامبريدج (University of Cambridge)
جامعة كيب تاون (University of Cape Town)
كلاري اسبوتيزوود (Claire Spottiswoode)
أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (sub-Saharan Africa)
دورية سينس (Science)
الهادزا (Hadza)
براين وود (Brian Wood)
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021