كتابة: هيدي ليدفورد.
ترجمة: دلال العنزي.
مراجعة: عبد الحميد شكري.
تسبب طفرةٌ في حرفٍ واحدٍ من الحمض النوويّ الرايبوزي منزوع الأوكسجين في ظهور مرضٍ مؤلمٍ ومُوهنٍ يُعرف بفقر الدم المنجلي، ولقد تصارع الباحثون مع هذا المرض لأكثر من ٦٥ عاماً، والآن أضافوا كريسبر-كاس٩ المعدل للمورّوث إلى مستودع أسلحتهم.
ذكر الباحثون في ورقةٍ نُشرت في ١٢ أكتوبر (تشرين الثاني) في مجلة ساينس ترانزليشنال ميديسن بعض النجاحات في تصحيح الطفرات في الفئران، على الرغم من إدراكهم بأن تطبيقها على الإنسان لا يزال على بُعد سنواتٍ. حيث أن اخصائيّ الكيمياء الحيوية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي والمؤلف جايكوب كورن حذّر من أن كفاءة العملية لا تزال منخفضةً جداً للاستخدام العمليّ.
لكن التقدم وغيره من الجهود الأخيرة أعطوا كورن الأمل في أن أول علاجٍ لمعالجة سبب فقر الدم المنجلي يمكن أن يكون على بُعد سنواتٍ قليلةٍ فقط. وقال كورن: “ربما لدينا الآن أخيراً بعض الطرق لمعالجة سبب المرض بدلاً من الأعراض”.
يُولد حوالي ٢٥٠.٠٠٠ طفلاً حول العالم ممن يعانون من فقر الدم المنجلي كل عامٍ، وهو ناتجٌ عن طفرةٍ تؤثر على شكل بروتين الهيموجلوبين الذي يحمل الأكسجين في خلايا الدم الحمراء. والنتيجة يمكن أن تكون انسداد الأوعية الدموية والتي بدورها تمنع وصول الأكسجين إلى الأنسجة لتسبب ألماً مبرحاً.
تعديلٌ واحدٌ
يبدو علاج هذا المرض واضحاً على الورق تقريباً: فقط قم بإعادة كتابة تسلسل الطفرة في الخلايا الجذعية المولدة للدم من النخاع العظميّ حتى تصبح طبيعيةً، وسيصبح المريض خالياً من المرض من الناحية النظرية.
يقول ستيوارت أوركين والذي درس أمراض الدم في معهد دانا-فاربر للسرطان ومستشفى أطفال بوسطن في ماساتشوستس: “إنه تغييرٌ لقاعدةٍ واحدةٍ”. ويضيف: “ربما تعتقد أن هذا سيكون مثالاً لتعديل المورّوث”. ولكن كلاً من الشركات والأكاديميين على حدٍ سواءٍ واجهوا صعوبةً في تحقيق تقدمٍ، وحتى تقنية كريسبر-كاس٩ ليست على مستوى هذه المهمة بعد على الرغم من جميع ما فيها من سهولةٍ ومنفعةٍ.
باستطاعة الباحثين أن يستهدفوا إنزيم كاس٩ أو غيره من إنزيمات تعديل المورّوث لقطع أماكن محددةٍ من الجينوم، ولكن ما يحدث بعد ذلك يعتمد على عمليات إصلاح الحمض النووي الطبيعية في الخلية. إذ تتسبب هذه الإصلاحات غالباً في حذفٍ صغيرٍ من الحمض النووي، لتقوم عملية إصلاحٍ منفصلةٍ بإضافة تسلسلٍ جديدٍ في مكان القطع. ولكن هذا التصحيح يحدث بتكرارٍ متلاشٍ في الخلايا الجذعية للنخاع العظامي الخاملة ونادرة الانقسام، والتي من شأنها أن تكون الهدف في فقر الدم المنجلي.
عثر كورن وزملاؤه على طريقةٍ لجعل التعديل أكثر كفاءةً، حيث استخدموا خيطاً قصيراً من الحمض النوويّ يحمل التسلسل المصحح لمورّوث الخلايا المنجلية وقاموا بهندستها لترتبط بخيط الحمض النوويّ الذي بقي معلقاً بعد قطع إنزيم كاس٩. ولقد زادت هذه التقنية من كفاءة إصلاح المورّثات المعيبة بنسبةٍ تصل إلى ٢٥% عندما استخدمت في الخلايا التي أُخذت من البشر المصابين بفقر الدم المنجلي.
تدهورٌ مخيبٌ للآمال
قام الفريق بعد ذلك باستخدام هذه الخلايا المعدلة في فئران التجارب، فتراجعت كفاءة تقنيتهم هناك: إذ بدت الخلايا صاحبة الحمض النوويّ المحذوف أنها تتكاثر بشكلٍ أفضل في الفئران من الخلايا التي تحتوي على شكلٍ مصححٍ للمورّوث. حيث أنتجت فقط ٥% من الخلايا المزروعة والمعدلة شكلاً طبيعياً من الهيموغلوبين في الفئران.
يقول كورن أن هذا هو بالضبط على عتبة ما قد يكون مُحتاجاً لتخفيف محنة المرضى، ويضيف أن هناك بعض الأطباء الذين شاهدوا بياناته قالوا أنهم سيكونون على أتم الاستعداد لتجربة النهج في التجارب السريرية. ولكن كورن يقول أنه سيكون من الأفضل تحسين الكفاءة قبل تطبيقها على الناس.
يقول نائب رئيس الأبحاث في سانغمو للعلوم الأحيائية في ريتشموند بولاية كاليفورنيا ميكائيل هولمز أن التقنية المكررة ستكون نعمةً للباحثين الذين ينظرون في تطبيقاتٍ أخرى من تعديل المورّوث. ولكنها تسلط الضوء على مشكلةٍ أخرى أيضاً: إذ تترك محاولات تعديل الموروث الكثير من المورّوثات بحذفٍ في مواقع قطع إنزيم كاس٩. ويمكن أن تؤدي بعض هذه الحذوفات إلى إنتاج هيموغلوبينٍ غير طبيعيِّ، مما يتسبب في حالةٍ خطيرةٍ أخرى تسمى ببيتا ثلاسيميا (أو فقر دم البحر المتوسط*).
يقول هولمز أن سانغمو اصطدمت أيضاً بهذه المشكلة وقررت أن تحاول نهجاً مختلفاً، إذ تستخدم الشركة والعديد من الشركات الأخرى في هذا المجال تقنية تعديل المورّوث لتعطيل تعبير المورّوث الذي يقمع إنتاج الهيموغلوبين الجنيني: وهو شكلٌ من أشكال الهيموجلوبين الذي يُعبر عنه في تطوير الجنين ويقاوم المنجلية. ويمكن لزيادة إنتاج الهيموغلوبين الجنيني بالتالي أن تقلل من كمية شكل الهيموغلوبين المنجلي في البالغين.
يقول هولمز أن آخر نتائج تقنية كريسبر-كاس٩ تدعم فكرة أن استهداف الهيموغلوبين الجنيني ربما لا يزال النهج الأكثر أمناً. وأضاف: “ما زال هناك طريقٌ طويلٌ نحو إيجاد طريقةٍ آمنةٍ لتعديل المورّث”.
المصدر: (nature)
هيدي ليدفورد (Heidi Ledford)
تقنية كريسبر (CRISPR)
الحمض النوويّ منزوع الأوكسجين (DNA)
إنزيم كاس٩ (Cas9 enzyme)
عمليات إصلاح الحمض النووي (DNA repair processes)
فقر الدم المنجلي (Sickle-cell anaemia)
بيتا الثلاسيميا (β-thalassaemia)
تعديل المورّوث (Gene-editing)
هيموغلوبين (Haemoglobin)
هيموغلوبين الجنيني (Fetal-haemoglobin)
حذف (Deletions)
مجلة ساينس ترانزليشنال ميديسن ١ (Science Translational Medicine 1)
ستيوارت أوركين (Stuart Orkin)
معهد دانا-فاربر للسرطان (Dana-Farber Cancer Institute)
مستشفى أطفال بوسطن في ماساتشوسيتس (Boston Children’s Hospital in Massachusetts)
المورّث (gene)
سانغمو للعلوم البيولوجية في ريتشموند، كاليفورنيا (Sangamo Biosciences in Richmond, California)
ميكائيل هولمز (Michael Holmes)
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021