كتابة: مركز لانجون الطبي في جامعة نيويورك.
ترجمة : إسراء الحاجي.
غيّرت المضادات الحيوية من خليط ميكروبات الأمعاء في صغار الفئران لتزيد من خطرِ الإصابة بمرض السكري من النوع الأول بشكلٍ كبيرٍ، وذلك عندما أُعطيت بجرعاتٍ مساويةٍ كالتي تُستخدم عادةً لأطفال البشر. وهذا ما توصلت له دراسةٌ أجراها باحثون بمركز لانجون الطبي التابع لجامعة نيويورك وبدعمٍ من مؤسسة بحوث مرض السكري في اليافعين، ولقد نُشرت في الثاني والعشرين من أغسطس (آب) في دورية نايتشر لعلم الاحياء المجهري.
تُركّز نتائج الدراسة على الميكروبيوم، وهي أصناف البكتيريا موجودةٌ في أمعائنا والتي تطّورت بشكلٍ مشتركٍ مع البشر لتلعب أدواراً في الهضم، التمثيل الغذائي، والمناعة. ولقد تزامنت الزيادة في تعرض الأطفال للمضادات الحيوية القاتلة للبكتيريا في العقود الأخيرة مع زيادةٍ تربو على الضعف في نسبةِ الإصابةِ بأمراضِ المناعةِ الذاتيةِ، مثل مرض السكري من النوع الأول. حيث يتلقى الطفل الأمريكي في الوقت الحاضر 10 مضاداتٍ حيويةٍ بعمر العاشرة في المتوسط.
على وجهِ الخصوص، وجدت الدراسة الجديدة أن استخدام المضادات الحيوية بجرعاتٍ عاليةٍ متقطعةٍ لفتراتٍ قصيرةٍ جعلت الفئران الذين لديهم قابلية للإصابة بمرض السكري من النوع الأول يُصابون به بسرعةٍ أكبر وبمعدلٍ أعلى من الفئران التي لم يتم علاجهم بمضاداتٍ حيوية.
يقول الأستاذ المحاضر لكرسي موريل جي وجورج دبليو سينغر للطب الانتقالي في كلية الطب بجامعة نيويورك وكبير مؤلفي الدراسة الطبيب مارتن بلاسر: “بدأت دراستنا بتوضيح الآليات التي قد تزيد من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الأول، وذلك بواسطة التغيرات التي تُحدثها المضادات الحيوية في ميكروبيوم الأمعاء. ولقد استخدم هذا العمل فئراناً مصابة بمرض السكري وغير سِمينةٍ، وهو أفضل نموذج لمرض السكري من النوع الأول حتى الآن. كما استخدمنا جرعاتٍ من المضادات الحيوية مشابهةً لتلك التي يتلقاها معظم الأطفال لعلاج أمراض العدوى الشائعة.”
تقول مديرة ديسكفوري ريسرش بمؤسسة بحوث مرض السكري في اليافعين وهي جيسكا دوني: “إن نتائج الدراسة الأخيرة مقنعةٌ، فهي تربط آثار استخدام المضادات الحيوية في الفئران بمرض السكري من النوع الأول. وهذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تشير إلى أن استخدام المضادات الحيوية يمكن أن يُغّير ميكروبيوم الأمعاء، ويؤثر بشكلٍ دائمٍ على نمو المناعة وعملية التمثيل الغذائي، مما يمكن أن يتسبب في المناعة الذاتية (أي مهاجمة الجسم لنفسه)*. ونحن متحمسون لنرى كيف يمكن لهذه النتائج أن تُؤثّر على اكتشاف علاجاتٍ وقائيةٍ لمرض السكري من النوع الأول في المستقبل، وعلى استمرار ومواصلة البحث في مجال اللقاحات.”
هذه الصورة هي رسم بياني للعلاقات بين مجموعاتٍ من الأنواع البكتيرية تُسمى وحدات التصنيف التشغيلية (أو تي يو) والتي وُجد أنها تتواجد مع بعضها في الفئران سواءً تم علاجهم بالمضادات الحيوية أم لم يتم علاجهم بها. هذا يُظهر أن الفئران الذين تم علاجها بالمضادات الحيوية (أحمر) لديها مجموعة من البكتيريا (أو تي يو) مختلفةً تماماً و أقل تنوعاً من مجموعة الفئران المرجعية (أزرق).
خطر استخدام جرعةٍ معياريةٍ من المضادات الحيوية
يقوم الجهاز المناعي في مرض السكري من النوع الأول بتدمير الخلايا الجزيرية المنتجة للإنسولين في البنكرياس عن طريق الخطأ. فلا يتمكن المريض من التحكم بشكلٍ مناسبٍ في مستويات سكر الدم (الجلوكوز) في غياب الإنسولين، والذي يتراكم ليتلف الأعصاب والأوعية الدموية. وتشير بعض الدراسات إلى أن الميكروبيوم الموجود بصورةٍ طبيعيةٍ يُعّلم الأجهزة المناعية التي تكّونت حديثاً أن تكون أقل حساسيةً، وبالتالي أقل قابليةً للمهاجمةِ الذاتيةِ. وهنا يقول مؤلف الدراسة إن المضادات الحيوية قد تحول دون هذا التعليم.
قيّم الباحثون في الدراسة الجديدة آثار المضادات الحيوية على تطور الميكروبيوم في الفئران المصابة بمرض السكري وغير السمينة، والمعروفة بأن لديهم قابليةً أكبر للإصابة بمرض السكري من النوع الأول. حيث اختبر الفريق آثار التعرض إما لجرعاتٍ منخفضةٍ مستمرةٍ من المضادات الحيوية أو لجرعاتٍ عاليةٍ متقطعةٍ لفتراتٍ قصيرةٍ، والتي تحاكي الجرعات التي تُستخدم لعلاج الكثير من أمراضِ العدوى عند الأطفال. فوُجد على وجه الخصوص إن نسبة الإصابة بمرض السكري من النوع الأول لدى ذكور الفئران المصابة بالسكري غير السمينة والتي تعرضت لجرعاتٍ عاليةٍ متقطعةٍ من المضادات الحيوية كانت 53 بالمائة، وهي ضعف نسبة الإصابة لدى المجموعة المرجعية من الفئران المصابة بالسكري وغير السمينة والتي لم تتناولوا أيةِّ مضاداتٍ حيويةٍ (نسبة الإصابة 26 بالمائة).
لم تزد جرعات المضادات الحيوية العالية المتقطعة لفتراتٍ قصيرةٍ من خطر الإصابة بالمرض في إناث الفئران في إحدى مجموعات التجارب، ولكنها زادته في مجموعةٍ ثانيةٍ من التجارب. لذا نحتاج إلى مزيدٍ من الدراسات لتوضيح أنماط المرض بحسب الجنس، حيث إن التحليلات اللاحقة في الدراسة الحالية كانت مستندةً على ذكور الفئران.
لمعرفة آثار المضادات الحيوية، جمع الباحثون عيناتٍ من بكتيريا الأمعاء من كلّ فئران الدراسة. استخدم العلماء بعد ذلك تقنياتٍ جينوميةٍ وإحصائيةٍ لتحليل ملايين القطع من الحمض النووي الرايبوزي منقوص الأكسجين البكتيري في العينات. ولقد قامت الدراسات السابقة بالربط بين سلاسل رئيسية من الحمض النووي الرايبوزي منقوص الأكسجين وأصنافٍ بكتيريةٍ معروفةٍ، مما مكّن الفريق من تحديد ميكروبيوم كل فأر من فئران التجربة، والتقاط الآثار الكبيرة للمضادات الحيوية على أصناف البكتيريا خلال الأسابيع الثلاثة عشر الأولى بعد الولادة.
على سبيل المثال، فقد ذكور الفئران البالغين من العمر ثلاثة أسابيع والذين تعرضوا لجرعاتٍ عاليةٍ متقطعةٍ من المضادات الحيوية بكتيريا معينةً في أمعائهم بشكلٍ كاملٍ تقريباً، والتي وُجد أنها تقوم بتدريب الجهاز المناعي بشكلٍ طبيعيٍ في دراساتٍ سابقةٍ. كما وُجد أن تنوع أصناف الميكروبيوم في كل الفترات الزمنية التي أُجريت فيها التجربة وفي كل العينات في الفئران التي تم علاجها بجرعاتٍ عاليةٍ متقطعةٍ من المضادات الحيوية كان أقل من مجموعة الفئران المرجعية، واختلف تكوين المجتمعات البكتيرية بين المجموعتين كثيراً. فتم إجراء تجارب لنقل بكتيريا الأمعاء من صغار الفئران الذي تم علاجهم بمضاداتٍ حيويةٍ إلى فئرانٍ تفتقر إلى الميكروبيوم (الفئران الخالية من الجراثيم)، وذلك لتقييم ما إذا كان من الممكن أن يكون للمجتمعات الميكروبية التي غيّرتها المضادات الحيوية (المضطربة) آثاراً مناعيةً بحد ذاتها.
أظهرت نتائج الدراسة أن المجتمعات الميكروبية المُعدّلة بواسطة المضادات الحيوية (المضطربة) كانت كافيةً بنفسها لتغيير الجهاز المناعي للمتلقي، حيث سببت تغيراتٍ مناعيةً مشابهةً لتلك التي تُرى في المتبرعين بالميكروبات. وعلى نفس النحو، فإن الفئران الذين تناولوا جرعاتٍ عاليةٍ متقطعةٍ من المضادات الحيوية كانت لديهم نسب أقل من الخلايا التائية المنظِّمة والمعروفة بأنها تكبح وتنظّم ردت الفعل المناعية.
المصدر: ( ScienceDaily)
المصطلحات:
وحدات التصنيف التشغيلية ( OTUs)
مركز لانجون الطبي التابع لجامعة نيويورك (NYU Langone Medical Center)
مؤسسة بحوث مرض السكري في اليافعين (Juvenile Diabetes Research Foundation) (JDRF)
دورية نايتشر لعلوم الأحياء الدقيقة (Nature Microbiology)
مارتن بلاسر (Martin Blaser)
موريل جي (Muriel G)
جورج دبليو سينغر (George W. Singer)
الطب الانتقالي (Translational Medicine)
المدرسة الطبية بجامعة نيويورك (NYU School of Medicine)
جيسكا دوني (Jessica Dunne )
ديسكفوري ريسرش (Discovery Research)
الخلايا التائية المنظِّمة (regulatory T cells)
الحمض النووي الرايبوزي (RNA)
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021