كتابة: معاذ الدهيشي.
كما يعلم الجميع فإن كل شعوب وحضارات الأرض البشرية كانت لها لغات تتداولها (دائماً منطوقة، وأحياناً مكتوبة ومقروءة)، وبحسب علمنا فإن اللغة لم تخترع بواسطة مجموعة من البشر ثم انتشر استخدامها؛ كحال حروف الهجاء والزراعة، وإنما كان لها أصل في كل حضارة معروفة حتى لو كانت معزولة لألفيات مديدة و لم يحصل لها تواصل مع حضارة متقدمة.
كل اللغات هي أنظمة حسابية معقدة تستخدم أساسات قواعدية وتمثيلية متشابهة، والمدهش أنه لا يوجد ترابط بينها وبين التقدم التقني بحيث أن لغة الحضارات الصناعية ليست بأعقد قواعدياً من لغات شعوب العصر الحجري، كذلك اللغة الإنجليزية المعاصرة ليست نتاج “تقدّم” الإنجليزية القديمة (والحال نفسه مع اللهجات المحلية للغة العربية ولهجات العرب الأوائل).
في المجتمعات البشرية، كل فرد طبيعي متمكن من اللغة بغض النظر عن ذكائه، أو حالته الاجتماعية أو مستوى تعليمه. أيضاً الأطفال عادةً يغدون متحدثين بارعين للجمل المعقدة قواعدياً منذ عمر ثلاث سنوات بدون استخدام تعليم وتوجيه رسمي، بل يمكنهم اختراع لغات أكثر تنظيماً مما سمعوه بحيث تشابه لغات لم يطلعوا عليها من قبل وكذلك يتقيدون بمبادئ قواعدية دقيقة ليست لها دلالات في بيئتهم المحيطة.
بالإضافة إلى ذلك فإن هناك أمراض وعلل تجعل من الإنسان نابغة في اللغة بينما هو يعاني من تخلف عقلي شديد، وعلى الجانب الآخر قد تجعل علل أخرى الإنسان محدوداً وقاصراً لغوياً رغم امتلاكه ذكاءاً طبيعياً! أيضاً هناك بعض اضطرابات اللغة التي يتوارثها الأبناء عن الآباء عن طريق الجينات.
أما فيما يتعلق بالدماغ، فإن بعض جوانب المهارات اللغوية قد أمكن ربطها بمناطق خاصة تتحكم بها – وإن كانت أجزاء متعددة تتداخل في الوظائف-، فأجزاء من الفص الأمامي لها علاقة وثيقة بسَلْسَلَة المعلومات المستقبلة وفهم النحو وأجزاء من الفص الصدغي تقوم بتقسيم المعلومات إلى أجزائها التكوينية وإدراك الصرف بشكل عام.
الجهاز الصوتي (الحنجرة والحلق والتجويفان الفموي والأنفي) تبدو مصممة لحاجتنا للكلام -سواءاً استخدمناه أم لم نستخدمه كحال الكثير من البكم – إلى درجة أنها تتداخل وتعطّل مؤقتاً وظائف حيوية لا غنى عنها مثل التنفس والبلع. أيضاً الجهاز السمعي بجزئيه المركزي (مسارات ومراكز السمع في الدماغ) والطرفي (الأذن الخارجية والوسطى والداخلية) يُظْهر تخصصية متكاملة لاحتياجات الإنسان في ترجمة وفك الشفرة السمعية للكلام وتحويله إلى مقاطع لغوية.
عطفاً على ما سبق من الحقائق فإنه يبدو أن دراسة قدرتنا على استعمال اللغة الطبيعية يجدر أن يعنى بها عالم الأحياء البشري ربما أكثر من علماء ثقافة وحضارة الإنسان. ربما يمكن تشبيهها بالرصد بالصدى (إيكولوكيشن) عند الخفافيش أو الرؤية المجسمة (ستيريوبسيس) عند القردة، بدل تشبيهها بالكتابة أوالعجلة.
المرجع الرئيسي:
Pinker, S. (2013). Language, Cognition, and Human Nature: Selected Articles. Oxford University Press.
مراجع أخرى:
Grimshaw, J., & Pinker, S. (1989). Positive and negative evidence in language acquistion. Behavioral and Brain Sciences, 12(02), 341-342.
Pinker, S., & Bloom, P. (1990). Natural language and natural selection.Behavioral and brain sciences, 13(04), 707-727.
Newman, A. J., Supalla, T., Hauser, P., Newport, E. L., & Bavelier, D. (2010). Dissociating neural subsystems for grammar by contrasting word order and inflection. Proceedings of the National Academy of Sciences, 107(16), 7539-7544.
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021
هل حقاً لايوجد ارتباط بين اللغة وبين التقدم، كيف يكون ذلك وللغة متزامنة مع المعرفة متى مازادت معرفتنا زادت حاجتنا لإستخدام مصطلحات اكثر وادق؟