كتابة: إد يونغ.
ترجمة: سلمى سلمان.
قليلةٌ هي الأماكن التي يصعب على الميكروبات أن تتسلل إليها، وأحدها هي الغرف النظيفة التي تعمل فيها وكالة ناسا على تجميع مركباتها الفضائية، حيث يجب أن تجتاز الميكروبات المُنجرفة مع الهواء قفازًا مرشِحاً، أما الميكروبات التي تسافر على الموظفين فعليها مواجهه أقنعة الوجه والمآزر التي تغطي كامل الجسم والرأس أولاً، بينما ستقوم الميكروبات التي تمكنت فعلاً من الهبوط على السطح بمواجهة المجاعة والجفاف في بيئةٍ خاليةٍ من الماء والمغذّيات، وسيُقضى على تلك التي يحالفها الحظ في النجاة عندما تُنظف جدران وأرضيات ومحتويات الغرف النظيفة بشكلٍ دوريّ بالمذيبات الكحولية.
يُساعد كل ذلك في “الحماية الكوكبية“، وهي مهمة وقف الميكروبات الأرضية من الانتقال إلى الكواكب الأخرى وتلويثها، والتي يُمكن أن تنتقل فى مركبتنا الفضائية، وتلتزم وكالة ناسا الفضائية بهذا المبدأ بموجب معاهدةٍ دوليةٍ وتبذل قصارى جهدها لاستيفائها، إذ يُمكن للميكروبات المتسربة من الأرض أن تربك أيّ محاولاتٍ للعثور على حياةٍ خارج كوكب الأرض في الكواكب الأخرى.
لكن يستحيل تعقيم الأسطح بالكامل، فحتى غرف ناسا النظيفة تملك الميكروبيوم الخاص بها، وهي مجموعةٌ من الميكروبات شديدة المقاومة التي تتحمل إجراءات التطهير الصارمة بطريقةٍ أو بأخرى، وتهيمن البكتيريا الراكدة على هذه المجتمعات والموجودة في التربة والمياه عادةً، حيث تصمد البكتيريا الراكدة بينما تختفي الميكروبات الأخرى أثناء عملية التنظيف. ولقد عزل العلماء سلالاتٍ منها من على سطح مسبار مارس أوديسي المداري، من الأرضيات التي تم تجميع المركبة الفضائية مارس فوينيكس عليها، من السطح الخارجي لمحطة الفضاء الدولية، وحتى من مياه الشرب في المحطة.
أما الآن، فلقد اكتشف فريقٌ من العلماء إحدى حيل البكتيريا الراكدة للبقاء على قيد الحياة، والذي يقوده راكيش موغل من جامعة بوليتكنيك بولاية كاليفورنيا في بومونا، وتتمثل فكرتها في قدرة تلك الميكروبات على أن تأكل منتجات التنظيف التي تهدف إلى قتلها. ويقول موغل: “يمكنك تنظيف الغرف وتعقيمها، لكن الميكروبات لا تزال موجودةً هناك، ولكي أقترب من المعنى فإن فيلم حديقة الجوراسي يتحدث قليلاً عن ذلك: الحياة ستجد طريقة للاستمرار”.
يتكون غالبية فريق موغل من طلاب المرحلة الجامعية، ولقد عمل على أخذ سلالات البكتيريا الراكدة التي تم استردادها من الغرف النظيفة، وزرعها في مستوياتٍ منخفضةٍ من المواد الغذائية، فوجدوا أن البكتيريا قادرةٌ على النمو باستخدام الإيثانول كوقودٍ رئيسي في ظل هذه الأنظمة الغذائية المقيدة للغاية، إذ قامت بحرقه للحصول على الطاقة، واستخدمت الكربون الخاص به لصنع حمضها النووي، البروتينات، والجزيئات الأساسية الأخرى.
كما توصل الفريق إلى إشاراتٍ توحى بقدرة البكتيريا الراكدة على النمو باستخدام كحول الآيزوبروبيل، وهي المادة الكيميائية الرئيسية المستخدمة في مسح أسطح الغرف النظيفة، والمادة الرئيسية في المنظف المستخدم في تنظيف أرضيات الغرف المعروف بكلينول 30. وحتى إذا لم تستخدم هذه المواد كمصادرٍ للطاقة، يمكن للبكتيريا كسرها بالتأكيد، كما يمكنها تحمّل التطهير باستخدام بيروكسيد الهيدروجين أيضاً، وهي المادة الكيميائية المستخدمة في المبيضات، المنظفات، والمطهرات. وتقول ضابطة الحماية الكوكبية بوكالة ناسا وهي ليزا برات: “تم الاعتراف بالوجود المستمر للميكروبات في الغرف النظيفة المُستخدمة لتجميع المركبات الفضائية على نطاقٍ واسعٍ خلال العشرين سنةٍ الماضية كمشكلةٍ محيّرةٍ”، ولكن هذه الدراسة الجديدة تقول بأن “المواد الكيميائية المطهرة التي تهدف إلى قتل البكتيريا تقوم بتغذيتها في الحقيقة، المحافظة عليها، وزيادة مقاومة بعض الكائنات الحية الدقيقة ضد مواد التعقيم”.
يبدو أن البيئات القاسية، الجافة، والتي تقصف بالمواد الكيميائية في الغرف النظيفة تنتخب أقوى أنواع البكتيريا، فالبكتيريا الراكدة شديدة القوة كما هي، حيث يمكنها مقاومة بيروكسيد الهيدروجين، التجفيف، الإشعاع، الضغط العالي، ودرجات حرارةٍ تصل إلى 80 درجةٍ مئويةٍ. ويمكن لبعض السلالات أن تقاوم المضادات الحيوية وتسبب تفشياً للالتهاب الرئوي في المستشفيات، على الرغم من أن موغل يشير إلى أن أياً من السلالات التي درسها لا تُعرف بأنها تسبب المرض.
يقول موغل بإن دراسته تعني أن ناسا قد تضطر إلى تحسين أدائها في لعبة الحماية الكوكبية، خاصةً فيما يتعلق بالبعثات المستقبلية التي تهدف إلى اكتشاف وجود الحياة في عوالم أخرى، وقد يحاولون استخدام أنواعٍ مختلفةٍ من المذيبات بالتناوب لتجنب انتخاب أنواعٍ معينةٍ من الميكروبات المُقاومة، ولكنهم يحتاجون إلى قتل الميكروبات دون أن يؤثروا سلباً على المركبة الفضائية، ما يعني أنه “سنجد أنفسنا في عنق الزجاجة مع أنواع المواد الكيميائية التي يُمكن استخدامها”.
يجب أن يكون بقاء البكتيريا الراكدة على قيد الحياة سببًا للدهشة وليس الخوف، فالصحف تطبع بانتظامٍ عناوين أخبارٍ تنشر الخوف من البكتيريا التي تكمن في الأشياء اليومية، من المحافظ إلى لوحات المفاتيح، ومن مقابض الأبواب إلى الهواتف. ولكن لا يمكن الهروبٍ من الحقيقة القائلة بأن البكتيريا منتشرةٌ في كل مكان، ويقول موغل: “لا يوجد شيءٌ يقوم بالتعقيم بنسبة 100%، سيكون هناك دائما شيءٌ ما”.
المصدر (The Atlantic)
المصطلحات:
قفازًا مرشِحاً Gauntlet of filters
الحماية الكوكبية Planetary protection
الميكروبيوم Microbiomes
مسبار مارس أوديسي المداري Mars Odyssey orbiter
مارس فوينيكس Mars Phoenix lander
راكيش موغل Rakesh Mogu
جامعة بوليتكنيك بولاية كاليفورنيا California State Polytechnic University
البكتيريا الراكدة Acinetobacter
الآيزوبروبيل Isopropyl
كلينول 30 Kleenol 30
بيروكسيد الهيدروجين Hydrogen peroxide
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021