كتابة: عباد ديرانية.
لا زالت الكثير من المفاهيم وراء النَّوم غير مفهومة كثيراً لدى العُلَماء، مثل الأسباب الرئيسيَّة لحُدوثه والنشاط الذي يطرأُ على الدِّماغ أثنائه. لكنَّ مُعظم الدراسات المُجراة في هذا المجال تُركِّز على الإنسان، ونادراً ما يُحاول أحدٌ مُناقشة ظاهرة النوم لدى الكائنات الأخرى.
في الواقع، تختلفُ ظاهرة النوم بدرجةٍ مُذهلة من كائنٍ للآخر، فبينما تخلدُ بعضَ الحيوانات (مثل الدببة، الفئران، القطط، والكثير من الثدييات) إلى النَّوم لفتراتٍ طويلةٍ بأسلُوبٍ يُشبه الإنسان، إلا أنَّ بعضها الأخرى (مثل الزرافة وأنواعٍ من السَّمك) قد لا تنام تقريباً، والعديدُ منها (مثل الحشرات) تنامُ بطريقةٍ مُختلفةٍ كلياً عنّا، بحيثُ يصعب على العلماء أن يُقرِّروا ما لو كانت فعلاً تنامُ أم تخلدُ إلى الراحة أم أنها تقوم بشيءٍ مُختلف. سأتحدَّثُ هذا المقال عن طُرُق وأساليب النّوم لدى مُختلف الكائنات الحيّة.
تعريف حالة النوم:
في العُموم، من السَّهل على الباحثين دراسة النوم لدى مُعظم أنواع الحيوانات الثديَّة، وهيَ مجموعةٌ شديدة الأهميَّة من الكائنات الحيَّة والتي تشملُ جميع أنواع الحيتان، الدببة، المواشي، ذوات الحوافر، الكلبيَّات (مثل الذئاب والثعالب)، السنوريَّات (مثل النمور والأسود)، القوارض (مثل الجرذان والفئران)، والرئيسيّات (ومنها القرد والإنسان)، فبناءُ الدِّماغ في جميع هذه الكائنات قريبٌ نسبياً من بِنية الدماغ البشريّ، ويستطيعُ العلماء تحديدَ مناطق الدماغ التي تنشطُ لديها عندما تدخلُ في حالة النَّوم.
في الحقيقة، تُوجد العديد من الأبحاث التي تدعم وُجود الكثير من الظواهر المُتعلّقة بالنوم عند الإنسان لدى جميع الحيوانات الثدييَّة الأخرى. ومن أمثلة ذلك الحاجةُ للتّعويض عن النّوم، فعندما تقضي الكلاب أو القططُ فترةً طويلة دُون الحصول على قسطٍ من الرّاحة، ستحتاجُ إلى أن تنام لفترةٍ أطول من المُعتَاد للتعويض عما فقدته، كما يبدو أنَّ هذه الحيوانات مُعرَّضةٌ للإصابة بالعديد من أمراض ومُشكلات النوم مثلَ الأرق المُزمن، النوم القهريّ، وحتى الكوابيس (أو ما يبدو وكأنَّه حالة خروجٍ عنيفة من النوم تصحبُها ردّة فعلٍ جسديّة مُتوتّرة). فبعضُ الكلاب مثلاً تُبدي العديد من العلامات الجسديّة التي تترافقُ عادةً مع حالة النوم القهريّ عند الإنسان، مثلَ حالة انهيارٍ مُفاجئٍ في العضلات تنتهي بشللٍ جسديٍّ مُؤقّت، وقد تعرّف العلماء على الجين الموجودِ لدى الكلاب الذي يُسبّب لها مرض النوم القهري بعد سلسلةٍ من الدراسات الطويلة التي أجريت في سبعينيات القرن الماضي وحتى التسعينيات. والأهمُّ من ذلك كلِّه أن جميعَ الثدييات تمرُّ أثناء النوم بالمرحلة المُسمَّاة “حركة العين السّريعة”، وهي فتراتٌ قصيرة من النوم تَّتسم بتغيّرات كثيرةٍ في الأمواج الدماغية، ويُعتَقدُ أنَّ الإنسان لا يرى الأحلام إلا خلالها.
المُثير في الأمر أن الكثير من الكائنات تقومُ بحركاتٍ غريبة عندما تكونُ في حالة حركة العين السّريعة، فالكلاب كثيراً ما تُحرّك أرجلها وتنفضُها بطريقة غريبة، بينما البلاتيبوس (خُلد الماء) يقومُ بحركاتٍ بفكّه وجسمه تُقلّد الأسلوبَ الذي يصطادُ به السَّرطانات عندما يتغذّى في النهار، وأما البشرُ فهُم عادةً ما يتحدَّثون أو ينطقونَ بأشياءٍ غير مفهومة. من المُحتمل أن يعنيَ هذا أن جميع أنواع الثدييات تحلمُ أثناء النوم، لكنَّ التأكُّد من ذلك مُستحيل، لأن ظاهرة الأحلام غير مفهومةٍ بالكامل علمياً، والطريقة الأساسية لمعرفةَ ما إذا كان الشّخص يحلمُ هي سؤاله عن ذلك، وهو أمرٌ غير مُمكنٍ مع أيّ كائنٍ غير الإنسان بطبيعة الحال.
لكن العديد من الحيوانات الأخرى (مثل الحشرات، الديدان، واللافقاريات إجمالاً) لديها أدمغةٌ بسيطةُ التَّركيب للغاية مُقارنةً بالثديِّيات، بحيثُ يصبح من الصَّعب جداً تتبُّع تخطيط موجات الدّماغ عندها. لهذا السَّبب، يُضطرُّ العلماء عند دراسة هذه المخلوقات إلى الاعتماد على سُلوكيَّاتها وتحرُّكاتها الجسدية الخارجية ليعرفوا ما إذا كانت في حالة نومٍ أم لا، عوضاً عن اللجوء إلى دليلٍ دقيقٍ مثل نشاط الدماغ، ممِّا يُؤثِّر على دقّة الأبحاث في هذا المجال.
لهذا السَّبب، يُمكن تعريف حالة النَّوم لدى الكائنات الحيَّة بطريقَتيْن مُختلفتين، تنطبقُ إحداهما على الكائنات الأكثر تعقيداً في بنائها العصبي والدماغي والأخرى على الكائنات بسيطة التّركيب.
التعريف الأول يُسمّى “التعريف الوظيفيّ“: وهو يُفسِّر التغيرات الحيويَّة التي تطرأُ على جسم المخلوق الحي عندما ينام، ووفقاً له فإنَّ النوم هو مجموعةٌ من الظواهر الفسيولوجية التي يمرُّ بها الجسد بدورةٍ ثابتة تتكرَّر مرةً واحدةً كل 24 ساعةٍ تقريباً، ومن المُكوّنات الأساسية لهذه الظاهرة ارتخاءٌ كاملٌ في عضلات الجسم (ولهذا السَّبب تُفضِّل العديدُ من الحيوانات النوم مُستلقية)، دُخول الكائن في حالة من فُقدان الوعي، تغيُّر مُخطَّط النشاط الدماغي بطريقةٍ مُعيَّنة يستطيعُ علماء الأحياء التعرُّفَ عليها، وأخيراً، بحُدوث ما يُسمّى “حركة العيْن السّريعة”، وهي فتراتُ النَّوم التي يحلمُ النائم خلالها وتتميَّز بأنَّ العُيون تدخلُ أثنائها في حركةٍ عشوائيَّةٍ سريعةٍ، وهي تُعتَبر ذات أهميَّة شديدةٍ في النوم العميقِ لدى الإنسان. وهذا النوع من النوم هو الذي يحدثُ للإنسان ومُعظم أنواع الثدييات والطّيور، لكنَّه ليسَ موجوداً في أيِّ مجموعة أخرى من الحيوانات.
أمّا التعريفُ الثاني للنوم فيُسمّى “التعريف السلوكي“: وهو قائمٌ على مُتابعة ودراسة السُّلوكيَّات الخارجية التي تُوحي بأنّ أحد الكائنات يدخلُ في حالةٍ من النوم، ويعتمدُ عليه العلماء عندما يدرسون حيواناً تركيبه الدماغيّ بسيطٌ جداً بحيثُ لا يُساعد مُخطَّط موجاته الدماغية على معرفة ما إذا كان يغطُّ في النوم فعلاً أم لا. وثمَّة العديدُ من السلوكيات البديهة التي تترافقُ مع النوم، ومن أهمّها انعدام الحركة وانخفاض نشاط الأعضاء الوظيفيَّة، إلا أنَّ المُشكلة في هذا النوع من النوم أنَّ الطريقة الوحيدةَ للتعرُّف عليه هي مُتابعة سلوك الحيوان وتحرُّكاته، ولذا لا يستطيعُ العلماء التأكد ممَّا لو كانت هذه الكائنات في حالة نومٍ حقيقية (مثل الثدييات والطيور) أم أنَّها تأخذُ فترات من الراحة وتقليل النشاط الجسماني فحسب.
هل تنامُ جميع الحيوانات في الأساس؟
تصعبُ الإجابة على هذا السؤال بسبب اختلافِ طبيعة عمليَّة النوم من كائنٍ إلى الآخر، لكن الدراسات الأحيائيَّة تُوحي بأنَّ العديد من الحيوانات قد لا تنام. فمن أنواع الأسماك مثلاً ما يسهلُ التعرّف على حالة الرّاحة لديه، مثل سمكة الزّرد وبعض القُروش الصّغير التي تدخلُ في حالةٍ من السُّكون خلال الليل حيث تتوقَّف عن الحركة وتنخفضُ استجابتها لمُحيطها (رُغم أنَّها تبقى عائمة)، إلا أنَّ طبائعَ النَّوم لدى مُعظم الأسماك تبدو غير مُنتظمة. فعندما يحتاجُ السَّمكُ إلى بذل جُهدٍ جسديّ لفترةٍ طويلةٍ، فإنَّ دورة النوم تختفي تماماً من حياته، مثل أن يحتاج للسِّباحة لمسافةٍ شاسعةٍ عبر البحر أو للبقاء مُتيقِّظاً لحماية صغاره من الأعداء، فقد تمضي أيّام وأسابيعُ على السَّمكة دُون أن تبدي أيَّ علامةٍ على الحاجة للنوم أو الرّاحة، وحتى بعد انتهاء هذه المُدّة، لا تُعوّض الأسماكُ عما فقدتهُ من النوم، على عكسِ الإنسان والثدييات الذين يحتاجونَ للتعويض بقضاء ساعات نوم إضافيّة. عدا عن ذلك، لا تُبدي معظم أنواع الدلافين والحيتان حديثةُ الولادة أيّ حاجةٍ للنّوم، فقد تعيشُ أسابيعها أو شهورها الأولى من الحياة دُون نومٍ على الإطلاق.
تحتاجُ معظم أنواع الحيوانات إلى إرخاء عضلاتِها عند الخُلود إلى النوم وهو سببُ النوم في وضعيَّة الاستلقاء، مثل الحال لدى القطط والكلاب والإنسان، لكنَّ بعضها تستطيعُ النوم بوضعيَّات خاصّة. فالأحصنةُ قادرةٌ على إبقاء عضلات أرجلُها مشدودةً عندما تنام، ولذلك فهي تبقى في وضعيَّة الوُقوف مُعظم الوقت (98% منهُ تقريباً!). كما تستطيعُ جميع الأسماك أن تُحافظ على أجسامها عائمةً في الماء وهي نائمة. وتقدرُ الخفافيش كذلك على النَّوم بالمَقلوب، بعد أن تتمسَّك بمخالب أرجُلها بسقف أحد الكُهوف أو بجِذْع شجرةٍ ما. ويُشتَهر طائر النُّحام (الفلامنغو) بأنَّه ينامُ وهو مُتوازنٌ على ساقٍ واحدة فحسب.
من جهةٍ أخرى، لدى بعض الحيوانات القُدرة على النَّوم بطريقةٍ خاصَّةٍ تُسمَّى النوم النصفي، وهي تتَّسم بأن واحداً من شطري الدّماغ (الأيمن والأيسر) يخلدُ إلى النوم، بينما يبقى الآخر يقظاً ونشطاً. الهدفُ من هذه الميزة هو أن تستطيعَ الكائناتُ البقاء يقظةً لمُحيطها وهي نائمة، وبالتالي تكونُ قادرةً على الاستجابة بسُرعة في حال هاجمها كائنٌ مُفترس أو تعرَّضت لخطرٍ من نوعٍ ما. هذه الميزة موجودة لدى الكثير من أنواع الطيور (مثل الدجاج) وكذلك الحيتان والدلافين، فعندما تنامُ هذه الكائنات تُغمض واحدةً من عينيْها بينما تبقى الأخرى مفتوحةً لتُراقب البيئة المحيطة، وهي تُعطي أفضليّة هائلةً لهُم في البقاء على قيد الحياة.
كم تطولُ فترة النوم؟
حتى في المجموعة القريبة من الإنسان وراثياً والشَّبيهة به في طبيعة النوم وهي الحيوانات الثديَّة، تتفاوتُ فتراته بدرجةٍ مُعتبرةٍ. فالخُفّاش البني الصّغير (المُنتشر في قارة أمريكا الشمالية) يقضي مُعظم يومه نائماً، ويستيقظُ لحوالي أربع ساعاتٍ في الليل ليخرجَ بحثاً عن الغذاء، بينما تكاد الزرافة تعيشُ كلَّ يومها بلا نوم في المُقابل، فقد تكتفي بثلاثين دقيقةً منهُ خلال اليوم كُلِّه، وعادةً لا تنامُ لأكثر من ساعتين.
على نحوٍ عام، تُوجد بعضُ القواعد العلميَّة التي تُحدِّد أو تُؤثِّر بدرجةٍ كبيرة في فترة النوم. فمثلاً، كلَّ ما ازداد حجم الكائن الحي يحتاجُ إلى فتراتٍ أقلّ منه، وكلَّ ما اعتمدَ غذاء الحيوان أكثرَ على النباتات ينام أقلَّ أيضاً، رُبّما بسبب استهلاك الرَّعي لأوقاتٍ طويلة من حياة الحيوان العاشب.
في المُقابل، تستطيعُ الحيوانات التي تعيش في ملاجئ آمنة (مثل جُحورٍ تحت الأرض أو داخل ثغراتٍ في الأشجار) أن تنامَ لفتراتٍ أطول، وقد يكونُ ذلك لإحساسها بالأمان أكثرَ من الكائنات التي تظلّ في العراء، حيث على هذه الأخيرة أن تبقى مُتيقِّظة للكائنات المُفترسة التي قد تطاردها. ولنفسِ السَّبب فإنَّ الكائنات المُفترسة التي تتربَّع على رأس السلسلة الغذائية (مثل الأسود وما سواها) تميلُ للنوم لفتراتٍ طويلة، وذلك لعدمِ وُجود أعداءٍ طبيعيِّين لها في البرية.
فيما يلي قائمةٌ بفتراتِ النّوم لدى العديدِ من الحيوانات المعروفة، مُرتَّبة من الأطول إلى الأقصر:
- الخُفّاش البني القزم: 20 ساعة.
- المّدرّع (أو الأرماديلّو): 18 ساعة.
- أفعى البايثون: 18 ساعة.
- الكسلان: 16 ساعة.
- البَبْر: 16 ساعة.
- السنجاب: 15 ساعة.
- الأسد: 13 ساعة.
- الجرذ: 12 ساعة.
- القط: 12 ساعة.
- الدلفين: 10 ساعات.
- الكلب: 10 ساعات.
- الثعلب: 10 ساعات.
- قرد الشمبانزي: 9 ساعات.
- الأرنب: 8 ساعات.
- الإنسان: 8 ساعات.
- الخنزير: 7 ساعات.
- المعزاة: 5 ساعات.
- البقرة: 4 ساعات.
- الخروف: 4 ساعات.
- الفيل: 3 ساعات.
- الحمار: 3 ساعات.
- الحصان: 3 ساعات.
- الزرافة: نصفُ ساعة إلى ساعتين.
المصادر:
Sleep in the Animal Kingdom, How Sleep Works, Luke Mastin.
Animal’s Sleep; Is There a Human Connection? National Sleep Foundation.
Animals’ extraorindairy sleeping strategies, Michelle Douglas, BBC.
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021
شكرًاعباد ديرانية.