العزل التكاثري

ربما تفرض الطبيعة حاجزاً خارجياً للتكاثر بين نوعين أوّليَّين، كنهرٍ أو سلسلةٍ جبليةٍ. إلا أن ذلك الحاجز الخارجيّ وحده لن يقوم بفصلهما عن بعض ليصبحا أنواعاً منفصلةً بالكامل. فربما يقوم الانتشار الجغرافيّ ببدئ العملية، ولكن تطور الحواجز الداخلية (أي ذات الأصل الوراثيّ) لانسياب الموروثات يعد ضرورياً لاكتمال الانتواع. فإذا لم تتطور الحواجز الداخلية لانسياب الموروثات سيتزاوج الأفراد من جانبي الكتلة السكانية بحريةٍ إن عاودوا الاتصال مع بعضهم، وستختفي أيّ اختلافاتٍ وراثيةٍ تطورت عندما تعاود موروثاتهم الامتزاج مع بعضها مجدداً. ولهذا يتطلب الانتواع أن يكون النوعين الأوّليين غير قادرين على إنتاج نسلٍ قابلٍ للحياة مع بعضها، أو أن يتجنبوا التزاوج مع أفراد المجموعة الأخرى.  

هذه بعض الحواجز لانسياب الموروثات التي قد تساهم في الانتواع. وهي ناشئةٌ من الانتخاب الطبيعي، الانتخاب الجنسيّ، أو حتى من الانحراف الوراثيّ:

• تطور مكان التزاوج، وقت التزاوج، وطقوس التزاوج المختلفة: يمكن للتغيرات ذات الأصل الوراثيّ لهذه الجوانب أن تُكمل عملية العزل التكاثري والانتواع. فعلى سبيل المثال، تقوم الطيور التعريشية (الموضحة أدناه) ببناء تعريشاتٍ دقيقةٍ وتزيينها بمختلف الألوان لجذب الإناث. وربما ينعزل نوعان أوّليان مؤبداً وتُكمل عملية الانتواع إن تطورت تغيراتٌ في طقوس التزاوج هذه.

تقوم مختلف أنواع الطيور التعريشية ببناء تعريشاتٍ دقيقةٍ وتزيينها بمختلف الألوان لجذب الإناث. فطائر التعريشة الساتانيّ (على اليسار) يقوم ببناء قناةٍ بين الأعواد القائمة ويزيّنها بأجسامٍ زرقاء فاتحةٍ. بينما يقوم طير التعريشة الماكجريجور (على اليمين) ببناء برجٍ طويلٍ من الأعواد ويزيّنها بقطعٍ من الفحم. ويمكن أن تساهم التغيرات التطورية في طقوس التزاوج مثل بناء التعريشة في الانتواع.

 

• عدم وجود "تناسبٍ" بين الأعضاء التناسلية: من الصعب علينا تخيل ذلك، ولكنها مشكلةٌ كبيرةٌ بالنسبة للحشرات ذات الأعضاء التناسلية مختلفة الشكل!

 

توضح الأعضاء الذكرية لمقترنات الأجنحة مدى تعقيد الأعضاء التناسلية.

 

• عدم قابلية النسل للحياة أو عقمه: كل ذلك اللقاء والتزاوج سيذهب هباءً منثوراً إذا لم يعش نسل التزاوج بين المجموعتين أو لم يتمكن من التكاثر. فلقد قام الانتشار الجغرافيّ في مثالنا عن "ذبابة الفاكهة في الموز الفاسد داخل الإعصار" ببدء عملية الانتواع، ولكن الضغوط الانتخابية المختلفة على الجزيرة أدت إلى تباعد الكتلة السكانية للجزيرة وراثياً عن الكتلة السكانية للبر الرئيسيّ.

يمكن للعزلة الجغرافية أن تحفز حدوث نشوء الأنواع، أما التغيرات الوراثية فهي ضروريةٌ لاكتمال العملية.

ما سبب حدوث ذلك؟ ربما كانت هناك فواكهٌ مختلفةٌ متوفرةً على الجزيرة. حيث تم انتخاب سكان الجزيرة للاختصاص في نوعٍ معينٍ من الفاكهة وطوّروا تفضيلاتٍ مختلفةً في الطعام عن ذباب البر الرئيسيّ.

يمكن لاختلاف ضغوط الانتخاب على الجزيرتين أن تُكمل التمييز بين النوعين الجديدين.

هل يمكن لهذا التغير الطفيف أن يكون حاجزاً لانسياب الموروثات مع ذباب البر الرئيسيّ؟ نعم، فإذا كان الذباب يعثر على شريكه عبر التسكّع على طعامهم المفضل، فلن يتزاوج مع ذباب البر الرئيسيّ إذا عادوا إليه بسبب تفضيل الطعام المختلف هذا. حيث سيتقلص انسياب الموروثات إلى حدٍ كبيرٍ، وبمجرد توقف انسياب الموروثات بين نوعين أو تضاؤله يمكن أن تتراكم اختلافاتٌ وراثيةٌ أكبر بين النوعين.