دروس الفصل
مفاهيمٌ خاطئةٌ حول الانتخاب الطبيعي
نظراً لقدرة الانتخاب الطبيعي على إنتاج تكيفاتٍ مذهلةٍ في الطبيعة، فإنه من المغري اعتباره على أنه قوةٌ قادرةٌ على كل شيء، تحث الكائنات الحية وتدفعهم للأمام في طريق التقدم باستمرار. ولكن الانتخاب الطبيعي ليس بهذا الشكل أبداً في الحقيقة.
أولاً: إن الانتخاب الطبيعي ليس قادراً على كل شيءٍ كما ذكرنا، وبالتالي لا يمكنه إنتاج كائناتٍ مثاليةٍ. فإن كانت موروثاتك "جيدةً بما فيه الكفاية"، ستحصل على نسلٍ في الجيل القادم، وليس من الواجب عليك أن تحمل موروثاتٍ مثاليةٍ. ويكون هذا الأمر أكثر وضوحاً عند النظر إلى الكتل السكانية من حولنا: فيمكن للأشخاص أن يحملوا موروثاتٍ لأمراضٍ وراثيةٍ مختلفةٍ، ربما لا تحمل النباتات الموروثات التي تمكنها من البقاء في فترات الجفاف، وربما لا يكون الكائن المفترس سريعاً بما فيه الكفاية للإمساك بفريسته في كل مرةٍ يجوع فيها. فلا توجد أيّ كتلةٍ سكانيةٍ أو كائنٍ متكيفٍ مثالياً.
ثانياً: من الأدق أن ننظر للانتخاب الطبيعي على أنه عمليةٌ وليس "يداً مرشدةً". فالانتخاب الطبيعي هو النتيجة البسيطة للتنوع، التكاثر التفريقي، والوراثة، وهي بذلك عمليةٌ ميكانيكيةٌ وغير واعيةٍ تماماً. فليس لها أهدافٌ معينةٌ ولا تسعى للحصول على تحسنٍ أو نظامٍ بيئيٍ متوازنٍ.
التنوع + التكاثر التفريقيّ + الوراثة = الانتخاب الطبيعي
لذا فإن استخدام مصطلحاتٍ مثل: "يحتاج، يحاول، ويرغب" لوصف الانتخاب الطبيعي يعتبر أمراً غير دقيقٍ. إن الكتل السكانية أو الأفراد لا "ترغب أو تحاول" أن تتطور، والانتخاب الطبيعي لا يمكنه أن "يحاول" أن يزوّد الكائنات بما "تحتاج". بل يختار الانتخاب الطبيعي أيّ تنوعٍ موجودٍ في الكتل السكانية، والنتيجة هي التطور.
في الكفة الأخرى من الميزان، يُفسر الانتخاب الطبيعي عادةً على أنه عمليةٌ عشوائيةٌ، وهذا أيضاً سوء فهمٍ. فالتنوعات الوراثية التي تحدث في كتلةٍ سكانيةٍ ما تكون بسبب الطفرات الوراثية العشوائية، بينما فعل الانتخاب نفسه يعمل على تلك التنوعات بطريقةٍ ليست عشوائياً تماماً: فالتنوعات الوراثية التي تساعد في البقاء والتكاثر تمتلك فرصةٌ أكثر لتكون شائعةً من التنوعات التي لا تقوم بذلك. ولهذا لا يكون الانتخاب الطبيعي عشوائياً.