أجزاء المقدمة
مقدمة الجهة المترجمة
تفتخر مجموعة السعودي العلمي بأن تضع بين أيديكم هنا لأول مرة منهجاً رسمياً مترجماً إلى اللغة العربية لشرح نظرية التطور لغير المختصين كأحد المبادرات التي أطلقتها مجموعتنا. ولقد تم إعادة انتاج هذا المنهج بإذنٍ من متحف علم المتحجرات التابع لجامعة كاليفورنيا في بيركلي بتاريخ 2016/9/19مـ. وكبقية مبادرات مجموعتنا، يهدف هذا المنهج إلى سد الفجوة المعرفية الكبيرة في المحتوى العربي الرقمي على الشبكة العنكبوتية.
فكرة التطور الطبيعي والتي تتلخص في كون الكائنات الحية تفرعت من سلف مشترك هي فكرة قديمة قدم المعرفة الإنسانية، فنجدها مطروحة في كتاب أرسطو "سكالا ناتوراي" أو "سلّم الطبيعة" قبل أكثر من ألفي عام والذي قسّم فيه أشكال الحياة المختلفة بشكل هرمي وفقاً لتعقيد بنيتها ووظائفها بحيث تبدي الكائنات تصاعدياً المزيد من الحيوية والقدرة على التحرك؛ فنرى في أسفله النباتات، صعوداً إلى الحيوانات بأنواعها ووصولاً بشكل تدريجي إلى البشر في قمة سلم الطبيعة.
في الحقيقة، لم تكن فكرة التطور الطبيعي طوال الآلاف السنين الماضية حكراً على ديانة أو أيديولوجية معينة، فقد عرضت الهندوسية تجسدات الآلهة على عشر هيئات متصاعدة من الحيوانات ابتداءً من السمك للبرمائيات ثم الثدييات فشبيهات البشر وانتهاءً بالبشر بمختلف مستويات التحضّر. وكذلك أسهب فيها أوغوستين العالم المسيحي الشهير، وتكلّمت فيها أكثر من شخصية على مدى الحضارة العربية الإسلامية كإخوان الصفا، والجاحظ، وربما أشهر من تطرّق لها هو عالم الاجتماع الكبير ابن خلدون في كتابه "المقدمة".
يقول ابن خلدون: "ثم انظر إلى عالم التكوين كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدريج. آخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات مثل الحشائش، وما لا بذر له، وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم متصل بأول أفق الحيوان مثل الحلزون والصدف، ولم يوجد لهما إلا قوة اللمس فقط ومعنى الاتصال في هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد الغريب لأن يصير أول أفق الذي بعده. واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه، وانتهى في تدريج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر والرؤية".
لكن على الرغم من بليغ العبارة وبديع التوصيف، لم تكن الأفكار التي سبقت تشارلز داروين وألفريد والاس - الذان عاشا في النصف الأخير من القرن التاسعة عشر - إلا تنظيراً محضاً ممزوجاً في أحيان كثيرة بخيال غزير. ما أضافه داروين ووالاس فعلياً هو ترقية الفرضية إلى نظرية علمية لها أدلتها التي كانت بسيطة في البداية، لكن بفضل الآلاف من العلماء الحاذقين حول العالم سرعان ما تدعّمت بفيض من البراهين تراكمت خلال المائة وخمسين عاماً التي تلتهما. أما في العصر الحالي فقد تولّد من نظرية التطوّر علم قائم بذاته يطلق عليه مسمى "علم الأحياء التطورية" والذي يحتوي على تطبيقاتٍ مهمةٍ للصحة البشرية والبيئية، ويدرّس بشكلٍ واسعٍ في جامعات العالم المتقدمة.
يمكننا اعتبار نظرية التطور كأكثر نظرية علمية ظلمت وأسيء فهمها في التاريخ وما فاقم سوء الفهم هذا هو عدم إتاحة تدريسها بشكل علمي بحت كما هو الحال في كثير من مناطق العالم بما فيها أوطاننا العربية. لذا طمحنا إلى معالجة سوء الفهم هذا عبر إتاحة هذا المنهج المتعلّق بالنظرية باللغة العربية.
في منهج "التطور ١٠١" الذي أعدته جامعة كاليفورنيا في بيركلي - بدعم من مؤسسة العلوم الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية - ستتعرفون على ماهية التطور وكيف يعمل في الطبيعة من منظور علمي صرف. ستقرؤون تعريفاً علمياً عن النظرية، وتأريخاً لتطور الحياة، ثم شرحاً لآليات وأنماط هذا التطور بلغة سهلة ودقيقة. هذا بلا شك هو المدخل المثالي لكل من يحب أن يعرف هذه النظرية كما هي، ولا تقتضي المادة الموجودة هنا معرفة واسعة بعلم الأحياء حتى يفهمها القارئ. ما نرجوه من إتاحة الترجمة العربية هو أن يستفيد الجميع؛ ابتداءً من طلاب المدارس مروراً بطلاب الجامعات ووصولاً إلى العلماء المتخصصين، حتى نثري العقل العربي ليقرأ ويكتب ويتناقش عن معرفة ووعي.
نهايةً، تود مجموعتنا أن تتقدم بالشكر لجامعة كاليفورنيا في بيركلي على وضع ثقتها فينا، ولإعطائنا هذه الفرصة الثمينة في إيصال العلوم إلى الجمهور العربي. وكذلك نشكر العلماء والعالمات الأفاضل الذي راجعوا ومحّصوا المنهج بعد ترجمته. كما ننوه للقارئ الكريم أن مجموعتنا اعتمدت على مصادر محددةٍ لاختيار المصطلحات الترجمية التي قد لا تكون شائعة الاستخدام في الوسط غير العلمي، وبإمكان الجميع الرجوع إلى فهرس المصطلحات العلمية المستخدمة في هذا المنهج للتعرف على أصل الكلمات ومعناها.
ودمتم عالمين ومتعلمين،
إدارة فريق السعودي العلمي.